في البداية كانت تونس، وفي النهاية ستكون تونس. كانت البوابة التي عبر منها الأمل نحو الحرية والكرامة، وكانت المنارة التي أضاءت درب الثورات العربية التي لم تُكتب نهايتها بعد. ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة التونسية، كانت هناك شعارات واحدة، وإن تعددت الأصوات: “الحرية، الكرامة، العدالة”.
الثورة التي أضاءت سماء الياسمين، لم تكن مجرد انفجار مفاجئ أو رد فعل ظرفي، بل كانت تجسيدًا لتطلعات شعب عانى طويلاً من ظلم وفساد السلطة. ولكن على الرغم من كل التضحيات التي قدمها الشعب التونسي، فإن الطريق إلى تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها قد أصبح موصّدًا في ظل التحركات السياسية الحالية.
لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن نغفل دور الدكتور المنصف المرزوقي، الذي يعتبر أحد أبرز القادة السياسيين في تاريخ تونس الحديث. الدكتور المرزوقي، الطبيب والسياسي والمفكر، لم يكن مجرد رئيس لجمهورية تونس بل كان رمزًا من رموز الثورة.
وهو الذي حمل لواء المبادئ الأساسية التي قامت عليها ثورة الياسمين، في زمن كان فيه النظام المستبد يحكم قبضته. حافظ الدكتور المرزوقي على مواقفه الثابتة، مناضلاً ضد القمع والتسلط، وكان دائمًا في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات السياسية. لم يكن المرزوقي فقط رئيسًا في منصب رئاسي، بل كان رمزًا للأمل، وله في قلوب الكثيرين مكانة خاصة.
على الرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهها، كان دائمًا مخلصًا لمبادئ الثورة التي آمن بها، والتي كانت تفتح أمام تونس آفاقًا جديدة من الديمقراطية والحرية. وكان له القول المشهور: “من أجل تونس، من أجل الحرية، من أجل الكرامة الإنسانية، لابد أن نناضل جميعًا، وأن نبقى على العهد”.
أما الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، فهو لم يكن مجرد رئيس للبرلمان، بل كان مفكرًا سياسيًا حمل أفكارًا نقدية حول العلاقة بين الدين والسياسة في العالم العربي. دور الغنوشي في الحركة الإسلامية التونسية لم يكن قاصرًا على دوره في قيادة الحزب، بل كان يمتد إلى أفكار عميقة في تفسير العلاقة بين الحريات السياسية والحقوق المدنية في إطار دولة إسلامية ديمقراطية.
وعليه، فإن مسار الشيخ الغنوشي الفكري والسياسي شكل جزءًا لا يتجزأ من نضال تونس نحو الديمقراطية. كان أحد أبرز القادة الذين ربطوا بين ما آمنوا به من قيم إسلامية وبين العمل السياسي الهادف لبناء دولة مدنية حديثة.
ورغم قمعه الحالي في السجون التونسية، إلا أن فكرته لم تمت، بل كانت سائدة في نفوس الملايين ممن يؤمنون بضرورة الحرية الدينية والسياسية.
من جهة أخرى، لا يمكننا إغفال الدور الكبير للناشطين السياسيين من أمثال النائب عماد الدائمي، الذي تعرض للمنع من الترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إن حظر الدائمي وغيره من الترشح يظهر بوضوح محاولة قيس سعيد لاستبعاد أي منافسة حقيقية له على صعيد السلطة، وهو ما يعكس مسارًا استبداديًا خطيرًا بدأه منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية.
فمنذ أن قفز قيس سعيد إلى مقعد الرئاسة، تحولت وعوده السياسية إلى مجرد شعارات جوفاء، بينما استمر في إقصاء كل من يعتقد أنه يشكل تهديدًا له. لم يكن هذا التحول في السياسة مفاجئًا، إذ إن قيس سعيد قد عرف بميوله الاستبدادية، كما تجلى في عديد من مواقفه المتعسفة ضد المعارضة وكل من يعارض سلطته.
الفشل في منح التعددية السياسية مكانها الطبيعي في المشهد التونسي يعد واحدة من أبرز مظاهر الاستبداد الذي يمارسه الرئيس التونسي اليوم.
من إغلاق البرلمان إلى إقصاء خصومه السياسيين، يشهد تاريخ تونس اليوم تراجعًا خطيرًا عن قيم الثورة التي قادت إلى الحرية.
أما عن المعتقلين السياسيين في السجون التونسية، والذين يمثلون اليوم رمزًا للمقاومة والصمود، فإنهم يظلون في ذاكرة الشعب التونسي نبراسًا في درب النضال السياسي.
هؤلاء المعتقلون لا يمثلون مجرد أفراد، بل هم فكرٌ نابضٌ بالحياة لأجيال قادمة تطمح إلى حرية الوطن واستقلاله. وتظل قضيتهم قضية لا يمكن التغاضي عنها، حيث إن النظام التونسي الجديد يواصل فرض قبضته الحديدية على كل من يخالفه الرأي، في وقت كان من المفترض أن تكون فيه تونس نموذجًا للحرية والتقدم.
وفي خضم هذه الأوضاع، تستمر تونس في إثارة الأسئلة حول مستقبلها كدولة رائدة في العالم العربي. وفي حين أن الثورة قد تبدو وكأنها أصبحت في الظلام في الوقت الحالي، فإن الأمل في بعث نهضة جديدة من تونس ما زال حيًا.
نعم، تونس ستكون مرة أخرى البداية لصحوة عربية جديدة، تقتطع من الدرس التونسي الأمل في تغيير حقيقي.
فأنا على يقين أن تلك الصحوة ستقود إلى تغييرٍ حتمي.
#تونس #المنصف_المرزوقي #قيس_سعيد #الشيخ_راشد_الغنوشي #عماد_الدائمي
#الامل_في_التغيير
#ثورة_الياسمين #الربيع_العربي #المعتقلين #حريات_سياسية #ديمقراطية #العدالة_الاجتماعية #حرية
#قيس_سعيد
نسخ الرابط تم نسخ الرابط