يبرز قصر ثقافة المنيا كأحد نماذج التدهور والفساد المستشري في مؤسسات الهيئة العامة لقصور الثقافة، ولا ينتهي سيل الإهمال والفساد في هذا الفرع تحت قيادة رحاب توفيق مدير عام فرع ثقافة المنيا وإيمان الطحاوي مديرة قصر ثقافة المنيا.
تفاقمت المشكلات والفساد في إقليم وسط الصعيد الثقافي وتحديدا في محافظة المنيا، وأصبح الفساد لا يُخفى على أحد، مما يستدعي التدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الوضع المؤسف.
زار الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة في 27 أكتوبر 2024، قصر ثقافة المنيا برفقة اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، بحضور محمد عبدالحافظ ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وجه وزير الثقافة بضرورة استكمال مشروع تطوير مسرح قصر ثقافة المنيا، ومع ذلك، لم يتحقق أي تقدم على أرض الواقع. الفساد والإهمال لا يزالان يعصفان بمرافق القصر، وتوقف العمل في المسرح منذ سنوات طويلة دون وجود أي تفسير أو تحرك جدي لحل المشكلات.
يشمل قصر ثقافة المنيا عدة مرافق، منها مسرح، قاعات معارض للفنون التشكيلية، غرفة الفنون الشعبية، نادي العلوم، ونادي الأدب. رغم هذه المرافق، إلا أن الفساد والإهمال أدى إلى تدهور كامل في جميع جوانب القصر.
يُعد المسرح أبرز معالم الإهمال، حيث يقع على مساحة 1200 م² ويتسع لـ350 مشاهدًا، لكنه لم يُفتتح بعد بسبب التوقف المستمر في أعمال التطوير التي بدأت منذ عام 1998.
هذا التوقف الذي يمتد لأكثر من 25 سنة يعكس حالة من الفساد واللامبالاة المستشرية داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة.
واجه وزير الثقافة خلال زيارته مشكلات عديدة تتعلق بالتأخير في تطوير المسرح، كما أشار إلى ضرورة الالتزام بمعايير السلامة والأمان والاشتراطات الفنية، ولكن كل هذه التوجيهات ذهبت أدراج الرياح، ولم تُنفذ أي من تلك الوعود. ما زالت القمامة تحيط بالقصر، والمرافق متدهورة، والمباني بلا صيانة.
الوضع الحالي يعكس غياب الرقابة والفشل الإداري الذريع، حيث لم يتم حتى الآن تسليم المسرح أو استكمال أي أعمال تطوير.
استمر الإهمال على مر السنين، حتى أن وزيرة الثقافة السابقة، الدكتورة إيناس عبدالدايم، زارت قصر ثقافة المنيا في 29 أغسطس 2021، وأصدرت أوامر بسرعة تطوير ورفع كفاءة المسرح تمهيدًا لافتتاحه نهاية العام.
إلا أن الفساد تغلغل إلى درجة أن مرور العامين لم يشهد أي تقدم يُذكر، وبقي المسرح متوقفًا، والإهمال يطال بقية مرافق القصر دون تفسير واضح.
عندما تزور قصر ثقافة المنيا، تلاحظ منذ اللحظة الأولى الفوضى والعشوائية التي تسيطر على المكان. تفتقر القاعات إلى أي نشاط ثقافي أو فني، بينما تتحول بعض المرافق إلى مخازن للقمامة.
تفقد القاعات رونقها، وتتحول المكاتب إلى أماكن خاوية، حيث تظل المكاتب مغلقة والموظفون غير متواجدين. القاعات المخصصة للأطفال والكتب تعاني من إهمال جسيم، حيث تتناثر الكتب على الأرض وتعلو الأتربة الأرفف، ما يعكس غياب الرقابة والإشراف على القصر.
شهدنا حالة من الفساد المستشري حتى في أبسط المرافق داخل قصر ثقافة المنيا، حيث تجد موظفي الأمن غير ملتزمين بالزي الرسمي وغير مدربين على التعامل مع زوار القصر، مما يعكس حالة من الانفلات الإداري.
واجهت المكتبات الخاصة بالأطفال والمكتبة العامة حالة من الخراب الكامل، فليس هناك رواد أو أنشطة تُذكر، والكتب مغطاة بالغبار، مما يُظهر الإهمال التام لدور الثقافة في تطوير العقول وتنمية المواهب.
أصبحت دورات المياه في حالة من التردي التام، حيث تفتقر إلى المياه ويعلوها الخراب، بينما تتراكم القمامة في جميع أرجاء القصر. تكشف هذه المشاهد عن انهيار كامل في إدارة قصر ثقافة المنيا وغياب أي دور فعال للهيئة العامة لقصور الثقافة.
الأدهى من ذلك، أن السطح المتهالك والمليء بالقمامة أصبح مكانًا للإداريين العاملين في القصر، مما يعكس حجم الفوضى والفساد المتفشي في هذا المكان.
الفساد في فرع ثقافة المنيا لا يقف عند حدود قصر ثقافة المنيا فقط، بل يمتد إلى باقي المواقع الثقافية التابعة للفرع، حيث يعاني 28 موقعًا ثقافيًا في المحافظة من نفس المشكلات المتعلقة بالإهمال والفساد وعدم وجود أي أنشطة ثقافية فعالة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن لهذه المواقع أن تُسهم في رفع الوعي وتشكيل الذوق العام وهي تعاني من هذا الكم الهائل من الفساد والإهمال؟
لم يُفتح قصر ثقافة المنيا الجديدة حتى الآن، رغم مرور سنوات على إنشائه، ولم يُستخدم في أي نشاط ثقافي يُذكر، ما يعكس الفشل التام في استغلال الإمكانيات المتاحة وتطويرها.
تشهد المحافظة تراجعًا كبيرًا في الدور الثقافي الذي يفترض أن تلعبه الهيئة العامة لقصور الثقافة، نتيجة الفساد المتفشي داخل الإدارة وعدم وجود أي رؤية أو خطة واضحة للنهوض بالثقافة في هذه المناطق.
تُعد هذه الأزمة التي يعاني منها قصر ثقافة المنيا نموذجًا صارخًا لما يحدث في العديد من المواقع الثقافية الأخرى في مصر.
تحتاج وزارة الثقافة إلى اتخاذ إجراءات حازمة للتصدي لهذا الفساد، وضمان عودة هذه المواقع لتقديم دورها الحقيقي في تعزيز الوعي الثقافي والوطني.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط