في خطوة مفاجئة، قام رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بجولة إلى عدة دول أفريقية شملت مالي وغينيا بيساو وربما السنغال.
تأتي هذه الزيارات في سياق إعادة صياغة السياسة الخارجية السودانية نحو دول غرب أفريقيا، خاصة تلك التي تشترك مع السودان في بعض الخصائص السياسية والاقتصادية.
تبدو هذه الزيارة محاولة لعقد تحالف غير معلن مع دول غرب أفريقيا، خاصة دول الساحل التي تمر بظروف مشابهة للسودان. فمالي، التي تقود هذا المحور، تعد نموذجًا مهمًا بعد تجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
السودان يسعى، من خلال هذه التحركات، إلى تعزيز التعاون مع هذه الدول وتقديم دعم متبادل لمواجهة التحديات المشتركة.
كما أن زيارة البرهان لغينيا بيساو والسنغال تحمل دلالات أخرى، فالسنغال تُعد واحدة من أهم الديمقراطيات الراسخة في القارة الأفريقية، وتبنيها لخطابات قومية رافضة للاستعمار يعزز التقارب مع السودان،
الذي يعاني من ضغوط دولية وأزمات داخلية أبرزها التمرد العسكري الذي تقوده قوات الدعم السريع. تشير الزيارة أيضًا إلى انحياز السودان بشكل واضح للمحور المدعوم من روسيا في أفريقيا.
فمن المعروف أن روسيا تمتلك علاقات قوية مع دول الساحل الأفريقي، التي تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والأمني الروسي.
ويبدو أن السودان يسعى لتعزيز هذه العلاقة، مما يجعله جزءًا من التحالف الروسي في القارة. زيارة مالي تحديدًا تحمل رسائل واضحة بأن السودان يدعمها في مواجهة العقوبات الدولية وضغوط الاتحاد الأفريقي.
كما يُعتقد أن مالي قدمت تطمينات للسودان لدعمه في أزماته الداخلية، خاصة ما يتعلق بالتمرد والتحديات الأمنية. إحدى الأهداف الأخرى لهذه الزيارات هي الضغط على الاتحاد الأفريقي لإعادة عضوية السودان والدول التي تم تعليق عضويتها، مثل مالي.
وفي حال فشل هذا المسعى، قد تتجه هذه الدول إلى تشكيل تحالف أفريقي جديد خارج مظلة الاتحاد الأفريقي، كما حدث مع تحالف دول الساحل الثلاثي.
من ناحية أخرى، تعكس هذه التحركات توجه السودان نحو تعميق علاقاته مع القارة الأفريقية، بعيدًا عن اعتماده التقليدي على محيطه العربي ومنطقة الشرق الأوسط. فقد سبق هذه الزيارة جولات قام بها مسؤولون سودانيون آخرون إلى دول وسط وجنوب أفريقيا، مما يشير إلى استراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز الدور السوداني في القارة.
تُعد هذه الزيارة فرصة للسودان لإعادة تقديم نفسه للدول الأفريقية كدولة محورية قادرة على لعب دور في أمن واستقرار المنطقة، خاصة في الساحل وشرق أفريقيا.
كما تسعى الخرطوم إلى شرح وجهة نظرها حول التحديات الداخلية، خصوصًا ما يتعلق بتمرد قوات الدعم السريع. في الوقت نفسه، تضع هذه التحركات السودان في موقف متقدم ضمن المحور الروسي – الأفريقي، مما قد يستدعي ردود فعل من القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي قد تحاول عزل السودان عن هذا التحالف.
تشكل زيارة البرهان إلى دول غرب أفريقيا خطوة مهمة في إعادة صياغة السياسة الخارجية السودانية وتوسيع نطاق تحالفاتها.
فهي لا تعكس فقط التوجه نحو القارة الأفريقية كعمق استراتيجي، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية تتعلق بتوازن القوى في المنطقة وتحقيق مصالح السودان في ظل أوضاعه الداخلية المعقدة.
- باحث وكاتب سوداني ، متخصص بالشأن المحلي والشؤون الإفريقية
نسخ الرابط تم نسخ الرابط