يشهد القطاع الكهربائي في مصر حالة من التدهور المستمر مع تفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري، والتي تبرز بصورة جلية في تصرفات الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركات التابعة لها.
وما حدث في شركة كهرباء القناة لتوزيع الكهرباء يعد دليلاً صارخاً على حجم الفساد المستشري داخل هذا القطاع. فالشركة قامت بشراء ماكينة طباعة حديثة بأحدث التقنيات بتكلفة فاقت 2 مليون يورو، في حين أن الشركة لم تحقق أي استفادة منها على الإطلاق، إذ إنها لم تعمل منذ لحظة شرائها وحتى اليوم.
في الوقت نفسه، تعاني الحكومة المصرية من أزمة اقتصادية طاحنة، حيث تقبع الشركات التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر في ديون ضخمة. هذا كله يحدث في وقتٍ كان من الأولى فيه أن تُوَجه هذه الأموال إلى تحسين الخدمات أو سداد الديون المترتبة على هذه الشركات.
أزمة مالية خانقة
من المعروف أن الشركة القابضة لكهرباء مصر تعاني من أزمة مالية خانقة، حيث تجاوزت مديونياتها لوزارة البترول الـ 200 مليار جنيه، ناهيك عن المديونيات الخارجية التي تشمل القروض المؤجلة وفوائدها، والتي تصل إلى 44 مليار دولار.
وعلى الرغم من هذه الأزمات المالية، لم تجد الشركة القابضة وسيلة لتجاوز هذه الأوضاع سوى اللجوء إلى الاقتراض المستمر، وهو ما ساهم في تكريس هذه الدوامة المالية التي لا تنتهي.
وعوضاً عن استخدام الأموال المتاحة لتسوية هذه الديون، قامت شركة كهرباء القناة بشراء ماكينة طباعة حديثة بتكلفة تقارب 2 مليون يورو، في خطوة مستفزة لا تمت إلى الواقع بصلة.
شراء ماكينة طباعة بأموال ضخمة دون أي فائدة
القصة بدأت عندما قدمت شركة هندسة نظم القوى الكهربائية (EPS) بقيادة المهندس الحسيني الفار العضو المتفرغ السابق للشركات التوزيع، عرضاً إلى شركة كهرباء القناة لشراء ماكينة طباعة ألوان حديثة بمبلغ يصل إلى 2 مليون يورو.
وعلى الرغم من غياب أي دراسة أو تخطيط مسبق لهذا القرار، فقد تم شراء الماكينة مع تكاليف تجهيزات ضخمة. قيمة الماكينة، التي لم تطبع أي فاتورة حتى الآن، بلغت 2 مليون و223 ألف يورو، بما في ذلك رسوم القيمة المضافة.
بالإضافة إلى ذلك، تكبدت الشركة تكاليف كبيرة في بناء وتجهيز مبنى مخصص لاستقبال الماكينة، حيث تم تخصيص مبلغ 35 مليون جنيه لأعمال الإنشاءات المدنية للمبنى.
علاوة على ذلك، تم تخصيص مبالغ ضخمة أخرى لتجهيز المبنى بالبنية التحتية، مثل 11 مليون و119 ألف جنيه لأعمال التكييف، و5 مليون و600 ألف جنيه لشبكات الكمبيوتر والمعدات اللازمة، بالإضافة إلى مبالغ أخرى لتوريد وتركيب أنظمة الصوت والسنترال.
ورغم هذه المبالغ الضخمة، لا يزال المبنى فارغاً من الفائدة الفعلية، حيث لم تطبع الماكينة أي فواتير للمشتركين، بل إن عملية الطباعة عبر أجهزة “الهاند هيلد” الخاصة بالشركة قد غطت بالفعل أكثر من 75% من المشتركين. مما يعني أن كل هذا الإنفاق كان من أجل طباعة فواتير فقط لـ 25% من المشتركين، وهو أمر لم يتم حتى الآن.
فساد وتخبط في اتخاذ القرارات
ومن المثير للدهشة أن شركة النظم (EPS) قد قدمت عرضاً آخر لشراء الماكينتين المستخدمتين فعلياً في طباعة الفواتير، مع تقديم خصم قدره 50 ألف يورو، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات.
إذا كانت شركة النظم قد علمت بوقف موديلات الماكينتين المستخدمتين، لماذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لشراء قطع غيار لهما بدلاً من اللجوء إلى شراء ماكينة جديدة لم تُستخدم بعد؟
وبعد شراء الماكينة التي لم تطبع أي فواتير، تم تقديم عرض آخر من قبل شركة النظم للاستفادة من الماكينة الجديدة مقابل طباعة 3 مليون نسخة مجانية بشرط عدم تجاوز 18 شهراً. وبطبيعة الحال، تجاوزت هذه المدة دون أن تُطبع أي ورقة واحدة، في ظل صمت الحكومة ووزارة الكهرباء عن هذه الفضائح المالية والإدارية.
صيانة الماكينة: تكاليف إضافية بلا فائدة
وبعد أن تم شراء الماكينة الجديدة بتلك التكلفة الباهظة، كانت الشركة مضطرة إلى دفع مبلغ سنوي لصيانة الوحدات الأخرى التي لم تُستخدم أصلاً، وهو مبلغ يصل إلى 20 ألف يورو سنوياً، مع زيادة سنوية قدرها 7%، مما يشير إلى حالة من الفساد الإداري وسوء الاستخدام غير المبرر للأموال العامة.
ومن المثير للسخرية أن هذه الصيانة مرتبطة بشرط ينص على طباعة 500 ألف ورقة شهرياً كي يسري عقد الصيانة، وهو أمر مستحيل عملياً بالنظر إلى أن الماكينة لم تُستخدم ولم تطبع أي فواتير للمشتركين.
غياب المحاسبة واستمرار الفساد
تستمر الشركة القابضة لكهرباء مصر في إهدار المال العام في مشاريع لا تحقق أي فائدة حقيقية، رغم الفشل الذريع الذي صاحب هذه المشاريع.
وفي الوقت الذي تعاني فيه الشركة من مديونيات ضخمة، تتزايد طلبات القروض من أجل صرف الأموال على مشاريع غير ضرورية.
وعلى الرغم من ذلك، لم تُتخذ أي إجراءات حاسمة ضد المتورطين في هذه الفضائح المالية والإدارية، بل إن الفاسدين في هذا القطاع يتم ترقيتهم بشكل مستمر، بينما يتم التنكيل بكل من يتجرأ على كشف هذه الحقائق.
إن الموقف الحالي يطرح سؤالاً كبيراً: لماذا لا تتحرك الأجهزة الرقابية لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات؟ لماذا لا تُفتح تحقيقات حقيقية في هذه القضايا التي تمس المال العام وتعرض مصالح المواطنين للخطر؟ إن السكوت عن هذه الفضائح سيؤدي إلى استمرار الفساد في هذا القطاع الحيوي، وقد يهدد الاستقرار المالي لمصر بشكل أكبر.
تساؤلات لا تجد إجابة
من بين أهم التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة في هذا السياق: إذا كانت الحكومة تؤمن بدور الصحافة في كشف الحقائق، فلماذا لا نجد أي رد فعل رسمي على ما تم نشره؟ لماذا لا تُتخذ خطوات حاسمة لمعاقبة المتورطين في هذه الجرائم المالية؟
إن كل ما وصلنا بعد كشف هذه الفضائح هو الصمت المطبق وعدم المحاسبة، بل يتم ترقية المسؤولين عن هذه القضايا والاستمرار في مناصبهم. في المقابل، يتم التنكيل بكل من يفضح هذه الممارسات ويدافع عن المال العام، وهو ما يبعث برسالة خطيرة عن استمرار الفساد في قلب المؤسسات الحكومية.
إننا في انتظار أن تتحرك الحكومة ووزارة الكهرباء والجهات الرقابية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واتخاذ خطوات فعلية للحد من الفساد المستشري في هذا القطاع.
وفي نفس الوقت، نطالب بتعاون أكبر من مؤسسة الرئاسة مع الصحافة والإعلام للكشف عن هذه الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن هذا الهدر المستمر للمال العام، حتى يمكن تحقيق إصلاح حقيقي في هذا القطاع الحيوي الذي يؤثر على حياة المواطنين بشكل مباشر.
عدم محاسبة المسؤولين: فساد مستمر دون رادع
على الرغم من هذه الفضائح المالية والإدارية التي تكشف عن فساد كبير داخل الشركة القابضة والشركات التابعة لها، إلا أنه لا يبدو أن هناك أي محاسبة حقيقية للمسؤولين عن هذه الجرائم المالية.
على العكس، فإنه يتم ترقية المسؤولين الذين تورطوا في هذه الفضائح، بينما يتم التنكيل بكل من يحاول كشف الحقائق أو الإبلاغ عنها.
هذا يدل على أن هناك نظامًا من الفساد المحمي، حيث يظل المسؤولون في مناصبهم دون محاسبة، بينما يتم إيقاف كل من يتحدث عن الفساد في هذا القطاع.
الغياب التام للتحقيقات والمحاسبة
الغريب في الأمر هو أنه على الرغم من أن وسائل الإعلام قد كشفت هذه الفضائح بتفاصيلها الدقيقة، بما في ذلك أرقام التكاليف والأسماء والمسؤوليات، لا تزال الحكومة ووزارة الكهرباء في موقف الصمت المطبق.
لماذا لا يتم التحقيق في هذه القضايا؟ لماذا لم يُحاسب أي من المسؤولين عن إهدار المال العام؟ بل على العكس، يتم تكريم هؤلاء المسؤولين، ويستمرون في مواقعهم بينما يتم نقل كل من يفضحهم إلى مناصب أخرى أو تحت التحقيقات التي لا تؤدي إلى أي نتائج.
إن التواطؤ بين الجهات المسؤولة عن قطاع الكهرباء والحكومة هو السبب الرئيسي وراء استمرار الفساد في هذا القطاع الحيوي، الذي يُفترض أن يخدم مصلحة المواطن المصري.
وما لم تُتخذ خطوات حاسمة لتغيير الوضع الراهن، ستستمر هذه الفضائح في التأثير على الاقتصاد المصري واستنزاف المال العام.
السؤال الذي لا جواب له: متى يتم محاسبة الفاسدين؟
نحن هنا نطرح سؤالًا هامًا للحكومة وللمسؤولين في مؤسسة الرئاسة: إذا كنتم تؤمنون بدور الصحافة في كشف الحقائق، فلماذا لم نجد أي صدى لما تم نشره؟ لماذا لم تتم محاسبة المسؤولين عن هذا الفساد المستشري حتى الآن؟
إن استمرار الوضع كما هو دون محاسبة سيؤدي إلى تدمير قطاع الكهرباء، بل وقد يمتد الفساد إلى قطاعات أخرى، ما لم تُتخذ إجراءات صارمة ضد المتورطين.
إن المواطنين في انتظار أن تتحرك الحكومة والأجهزة الرقابية لمحاسبة الفاسدين، ووضع حد لهذا الفساد المستشري الذي يستنزف المال العام.
نحن في حاجة إلى إصلاح حقيقي في هذا القطاع، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتعاون حقيقي بين الصحافة والجهات الحكومية والأجهزة الرقابية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط