يتعرض قطاع الكهرباء في مصر لفضائح فساد كبيرة، تكبد الدولة مليارات الدولارات سنويًا، بينما يعاني المواطنون من انقطاع مستمر للطاقة في أشهر الصيف، رغم الأموال الطائلة التي صرفت على المشاريع والصفقات المشبوهة.
تشير تقارير حكومية إلى أن الأموال المهدرة في هذا القطاع تُقدّر بنحو 60% من إجمالي الموازنات، وهو مبلغ كافٍ لبناء دولة متكاملة، لكن الفساد المستشري في الوزارات والهيئات المعنية يحول دون الاستفادة من هذه الأموال في تحسين الواقع الكهربائي.
استمرار الهدر والفساد في وزارة الكهرباء
تتوالى الفضيحة تلو الأخرى في وزارة الكهرباء، حيث يشير تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يمتد على 490 صفحة إلى إهمال متعمد أدى إلى تكبد قطاع الكهرباء خسائر تقدر بمليارات الدولارات. التقرير أكد أن الفساد أدى إلى توقيع عقود بتكلفة باهظة، تضاعف أضعافًا كثيرة على ما كان يمكن أن يتم إنجازه بالجهد الوطني. وقد شملت هذه العقود استيراد محطات طاقة سيئة الجودة، وتكبد الدولة تكاليف ضخمة في عمليات صيانة وإصلاح لم يكن من المفترض أن تكون ضرورية لو كانت هناك إدارة جيدة.
الصفقات المشبوهة: تكهين محطات الكهرباء لصالح المستثمرين
يكشف التقرير عن مجموعة من القرارات المشبوهة التي تم اتخاذها في وزارة الكهرباء، خاصة فيما يتعلق بتكهين محطات الكهرباء الحرارية لصالح المستثمرين الأجانب من الإمارات والسعودية. ويُزعم أن هناك فسادًا متعمّدًا في تعطيل المحطات القائمة وإجبار الدولة على استيراد الطاقة بأسعار مرتفعة للغاية، في وقت كانت فيه المحطات القديمة قادرة على تلبية جزء كبير من احتياجات البلاد. في هذا السياق، تصدر قرارات بتكهين وحدات كهرباء قديمة رغم قدرتها على الإنتاج، مقابل زيادة الاعتماد على الطاقة المستوردة من محطات إماراتية وسعودية، مما يساهم في رفع الأعباء المالية على الدولة.
العقود الفاسدة: إهدار أموال المواطنين
كشف التقرير عن عقود فاسدة، يتم إبرامها مع الشركات الأجنبية بمدد طويلة الأجل تصل إلى 25-30 سنة، حيث تفرض وزارة الكهرباء شراء الطاقة بأسعار تزيد على ثماني مرات من أسعارها الحقيقية. هذا التعاقد، الذي يتضمن صناديق الاستثمار الإماراتية والسعودية، يمثل كارثة على الاقتصاد المصري، حيث يضع عبئًا ضخمًا على المواطنين في المستقبل، خاصة أن هذه العقود تشل قدرة الدولة على الاستثمار في مشاريع الطاقة الجديدة أو تجديد محطات الكهرباء القديمة.
الطاقة المتجددة: مصير مشبوه تحت السيطرة الأجنبية
أما على صعيد الطاقة المتجددة، فيؤكد التقرير أن الحكومة المصرية تهدف إلى رفع حصة الطاقة المتجددة إلى أكثر من 42% بحلول عام 2035. إلا أن هذه المشاريع، التي تُنفذ أساسًا من خلال القطاع الخاص، تثير العديد من الشكوك حول تكلفة هذه المشروعات والعمولات التي يحصل عليها المسؤولون. تتركز مشاريع الطاقة المتجددة الحالية في أيدٍ أجنبية، مثل شركات إيميا باور الإماراتية وأكواباور السعودية، مما يجعلها تتحكم بشكل شبه كامل في مجال الطاقة في مصر، بينما تظل الدولة المصرية عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة.
إهمال المحطات القديمة: من التخريب إلى الفساد
تشير الوثائق إلى أن القرارات الخاصة بتكهين المحطات القديمة ليست مجرد خطأ في الإدارة، بل قد تكون جزءًا من خطة لتدمير قطاع الكهرباء. حيث يتم تعمد إيقاف تشغيل محطات الكهرباء القديمة على الرغم من قدرتها الفائقة على تلبية احتياجات السوق، ويجري دفع الفاتورة الباهظة لاستيراد الطاقة من محطات أجنبية بأسعار غير مسبوقة. في هذا السياق، هناك شبهة تواطؤ بين المسؤولين في وزارة الكهرباء مع شركات أجنبية لتحقيق مصالح شخصية من وراء تعطيل المحطات الوطنية.
الحل في يد العدالة: تطهير القطاع من الفساد
لن ينعم الفاسدون في وزارة الكهرباء بما سرقوه من الأموال العامة. تحذيرات التقرير واضحة: الفساد في قطاع الكهرباء يعرض الاقتصاد المصري لخسائر فادحة، ولا بد من إجراء إصلاحات حقيقية تشمل تطهير الوزارة من المسؤولين الفاسدين، مع التحقيق معهم وتقديمهم إلى المحاكمة. لا يمكن أن تستمر هذه الفوضى في وقت تشهد فيه مصر أزمات اقتصادية خانقة. لذا، يجب على الجهات السيادية والدولة بشكل عام أن تتحمل المسؤولية وأن تبدأ حملة شاملة لإصلاح القطاع وإعادة الأموال المنهوبة.
أموال مهدرة بأرقام فلكية
وفقًا للتقرير، تتراوح الأموال المهدرة في قطاع الكهرباء بين العقود الفاسدة والأموال المستهلكة في استيراد محطات الطاقة المستعملة من 31 محطة قديمة تم استيرادها على أنها محطات جديدة. وعلى الرغم من هذه التكاليف الباهظة، لا يزال الوضع مستمرًا في التأزم. في الوقت ذاته، تعمل مافيا الفساد على إضعاف قدرة الدولة على التحول إلى عصر الطاقة الجديدة، وهو ما يضر بمصلحة مصر الاقتصادية.
إصلاحات جذرية ضرورية
ولا بد من اتخاذ إجراءات فورية للحد من الفساد في قطاع الكهرباء، وتخليص الدولة من هذه التكاليف الضخمة التي لا تنتهي.
فإن لم يتم التصدي لهذه الممارسات الفاسدة، فإن الأموال الضائعة ستستمر في إهدار موارد الشعب المصري، مما يجعل قطاع الكهرباء المصري أحد أبرز مظاهر الفساد الذي يهدد استقرار الاقتصاد المصري في السنوات القادمة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط