في مشهد يتكرر في المدارس والجامعات بمصر بكثرة وفي واقعة جديدة تكشف عن تصدع صارخ في منظومة التعليم، جاء قرار وزارة التعليم بإقالة معلم من عمله في إحدى مدارس دمياط بعدما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا صادمًا يظهره وهو يردد عبارات مسيئة وغير لائقة داخل الفصل الدراسي.
الحادثة التي بدأت بتصوير خلسة من أحد الطلاب، تفتح بابًا جديدًا من التساؤلات حول ما يحدث خلف جدران الفصول الدراسية، وعن مستقبل الأجيال في ظل وجود مثل هؤلاء المعلمين.
فضيحة جديدة تسلط الضوء على فساد النظام التعليمي
الواقعة التي أشعلت موجة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي حدثت في مدرسة عزبة البرج الثانوية في محافظة دمياط، حيث يظهر المعلم في الفيديو وهو يوجه كلامًا فاحشًا وغير لائق للطلاب داخل الفصل.
من بين العبارات التي تداولها المتابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي “أنا لا ليا كبير ولا متربي ولا أنا مدرس أساسًا واسألوا عليا”، ثم يختتم حديثه بألفاظ صادمة لا يليق أن تخرج من شخص يحمل أمانة تعليم الأجيال.
من غير المتوقع أن يصدر مثل هذا السلوك من معلم في مكان يعتاد فيه الطالب على تلقي العلم، لا أن يتعرض للامتهان والتحقير.
التداول السريع يعجل بالتحقيق
المفاجأة الأكبر كانت في السرعة التي استجاب بها الجميع للأزمة بعد أن تم نشر الفيديو. فقد بادرت إدارة عزبة البرج التعليمية بنشر بيان رسمي يؤكد استبعاد المعلم المحرض وإحالته للتحقيق على خلفية تصرفه الفاضح.
ليس هذا فحسب، بل تم التأكيد على أن هذه الواقعة لن تمر دون عقاب، ما يعكس تسارعًا ملحوظًا في التعامل مع الحوادث المماثلة، خصوصًا في ظل ما يعانيه النظام التعليمي في مصر من شكاوى عديدة تتعلق بسلوكيات غير لائقة تصدر من بعض المعلمين.
التفاعل السريع يعكس تطورًا حتميًا في محاربة الفساد
الحدث لم يتوقف عند مجرد إقالة المعلم، بل كشف عن مدى التفاعل الجماهيري مع الأزمة. إذ سارع المحامي أشرف فرحات مؤسس حملة تطهير المجتمع، بنشر الفيديو عبر حسابه الشخصي على موقع “فيسبوك” ليؤكد أن هذا النوع من السلوك لا يمكن أن يمر مرور الكرام.
وأوضح فرحات أن الفيديو قد لقي استجابة سريعة من قبل الرأي العام، ما دفع الجهات المعنية للتحرك بشكل سريع، وهو ما انتهى بإبعاد المعلم عن التدريس نهائيًا.
والمفاجأة الأكبر في هذا السياق كانت تأكيد فرحات أن قرار الاستبعاد لم يكن مجرد إيقاف مؤقت، بل هو إبعاد نهائي للمعلم عن العمل في مجال التدريس، وهو ما اعتبره خطوة عظيمة ورادعة في إطار حربه المستمرة ضد فساد المجتمع.
إلا أن المحامي لم يغفل عن الإشارة إلى أن الشق الجنائي في القضية يتعلق بالقانون الذي سيحدد مصير المعلم بعد تصرفاته غير المقبولة داخل الفصل الدراسي، وأن المجتمع يجب أن يضع يدًا حازمة ضد مثل هذه الأفعال التي تهدد القيم والمبادئ التي تقوم عليها العملية التعليمية.
ما وراء الفيديو: خطر مستمر يهدد الأجيال القادمة
لكن السؤال الأهم الذي يطرحه هذا الحادث هو: هل نحن أمام ظاهرة تتكرر في مدارسنا؟ ما سر تكرار مثل هذه الحوادث في المؤسسات التعليمية، والتي ترفع شعارات الأخلاق والآداب؟
وهل كان هذا المعلم الوحيد الذي مارس مثل هذه الأفعال أم أن هناك العديد من الحالات المشابهة التي لم تصل إلى الضوء؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستفتح الباب أمام ضرورة إعادة النظر في أسلوب اختيار المعلمين وتدريبهم، لاسيما في ظل وجود قضايا مشابهة في أكثر من مدرسة.
الحديث عن فشل بعض المعلمين في توفير بيئة تعليمية آمنة ونظيفة للأجيال المقبلة أصبح حديثًا دائمًا. إن وجود معلمين ينهشون في أخلاق الطلاب ويعكرون صفو العملية التعليمية يجعل من الضروري تشديد الرقابة على هؤلاء المعلمين. فما حدث في دمياط ليس إلا رأس جبل الجليد، والمطلوب الآن هو اتخاذ خطوات أكثر جدية في محاربة هذه الظواهر التي تهدد نظام التعليم في مصر.
إجراءات عاجلة ولكن هل تكفي؟
بينما كانت وزارة التعليم قد أظهرت سرعة في إقالة المعلم وإحالته للتحقيق، إلا أن الشكوك تظل قائمة حول فعالية هذه الإجراءات في الحد من تكرار الحوادث. هل سيكتفي النظام التعليمي بالإجراءات الشكلية أم أن هناك خططًا فعلية لوقف هذا الانحدار في سلوك المعلمين؟ وهل هناك استعداد حقيقي لمواجهة حالات مشابهة، أم أن الوعود الرسمية ستظل في إطار التصريحات الإعلامية فقط؟
الواقع يقول إن قضية المعلمين الذين يسيئون لكرامة الطلاب تتجاوز مسألة التصرفات الفردية، بل هي انعكاس مباشر لفشل المنظومة التعليمية في التأثير في سلوكيات من يفترض بهم أن يكونوا قدوة للأجيال القادمة. وعليه فإن الحل لا يكمن فقط في إبعاد المعلم عن العمل، بل في فرض رقابة مستمرة، وزيادة الوعي الثقافي والأخلاقي داخل البيئة التعليمية.
المستقبل المجهول: كيف نحمى الطلاب؟
ويبقى التساؤل الأكثر إلحاحًا هو: كيف سيتم حماية الطلاب من مثل هذه الأفعال التي تهدد بتدمير مستقبلهم؟ وكيف يمكن لوزارة التعليم أن تضمن عدم تكرار مثل هذه الوقائع في المستقبل؟ المتابعة الحثيثة والتقييم المستمر لأداء المعلمين، خاصة في المدارس التي شهدت حوادث مماثلة، سيكون أحد الحلول الضرورية لوقف هذا الانحدار الذي يهدد البيئة التعليمية بشكل عام.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط