في واقعة تكشف عن فسادٍ كبير في القطاع الحكومي، خصوصاً في وزارة الكهرباء، تورطت مسؤولة بارزة في وزارة الكهرباء في سرقة التيار الكهربائي لتوصيله إلى فيلتها الفاخرة في الساحل الشمالي، دون أدنى اكتراث للقوانين أو المسئوليات الملقاة على عاتقها.
نادية عبد العزيز قطري، العضو المتفرغ للشؤون المالية والتمويل في الشركة القابضة لكهرباء مصر، التي من المفترض أن تكون قدوة في الالتزام بالقوانين والأنظمة، ثبت أنها لم تلتزم بأي من الإجراءات المتبعة للحصول على التيار الكهربائي بشكل قانوني.
بل الأدهى من ذلك أن هذه السيدة استغلت منصبها في الوزارة لاستخدام الكهرباء المسروقة في إنارة فيلتها الفاخرة، مما يثير العديد من علامات الاستفهام حول نزاهتها وأخلاقيات العمل داخل وزارة الكهرباء والشركة القابضة.
التقصير الحكومي وحماية الفاسدين
ورغم أن التحقيقات أكدت صحة الواقعة، إذ تم تسريبها إلى وسائل التواصل الاجتماعي وفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول مستوى الفساد الذي ينخر في القطاع، إلا أن ردود الفعل الحكومية كانت بمثابة تواطؤ غير مباشر مع الفاسدين.
وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، الدكتور محمد شاكر، الذي كان من المفترض أن يتخذ إجراءات صارمة ضد هذه الانتهاكات، اكتفى بتوجيه تصريحات لا تغني ولا تسمن، حيث قال نصًا: “ماينفعش ولازم نشكل لجنة”.
وبالفعل، تم تشكيل لجنة من جهة غير محايدة وغير مستقلة لبحث القضية، وهو ما كان يعني مسبقًا أن النتائج ستخدم مصالح الفاسدين ولن تطبق العدالة كما ينبغي.
اللجنة المشبوهة ونتائج التحقيقات المزيفة
وكانت نتائج اللجنة المعنية بالتحقيق في الحادثة معروفة سلفاً، حيث أُثبت من خلالها أن السيدة نادية قطري لم تلتزم بأي من الإجراءات القانونية للحصول على الكهرباء، كما لم تقم بتسديد أي فواتير أو إيصالات كهرباء، مما يفتح الباب أمام الشبهات حول فساد واضح في التعامل مع القطاع الكهربائي.
لكن ما حدث على أرض الواقع كان مغايرًا تمامًا لما كان يجب أن يحدث، إذ تم التستر على القضية بكل السبل الممكنة، وتم حماية السيدة نادية قطرى من أي محاسبة أو عقوبة.
المجازاة التي لم تكتمل: الفساد المستشري في وزارة الكهرباء
ورغم تسريب الواقعة إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الوزارة اكتفت بإجراء مجازاة سطحية لعدد من الموظفين في شركة كهرباء توزيع الإسكندرية الذين تسربت هذه الواقعة عبر حساباتهم.
وقد اعتبرت الوزارة أن هذه المجازاة هي “العقوبة” التي تكفي لإخماد هذه الفضيحة، متجاهلة حقيقة أن الفساد لا يمكن محاربته بمجازاة موظفين عاديين دون محاسبة المسؤولين الكبار الذين يقفون خلف هذه التصرفات غير القانونية.
ففي النهاية، كيف يمكن أن تتم محاسبة موظف في شركة الكهرباء في الوقت الذي يتم فيه التستر على أفعال كبار المسؤولين؟ وكيف يمكن أن يقبل المواطنون هذا التواطؤ الرسمي لحماية الفاسدين على حساب حقوقهم وحاجاتهم الأساسية؟
محاسبة المسؤولين على حساب المواطن البسيط
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف لموظف في وزارة الكهرباء أن يمتلك فيلا تقدر قيمتها بالملايين في أحد أغلى الأماكن في مصر؟ وكيف يتمكن هذا الشخص من سرقة الكهرباء دون أن تطاله يد العدالة؟ هذه الأسئلة تظل بدون إجابة حتى الآن، حيث لا يبدو أن هناك أي نية حقيقية لمحاسبة المسؤولين المتورطين في هذه الفضيحة الكبيرة.
بل على العكس، يتم حماية هؤلاء الفاسدين وتمكينهم من الاستمرار في ممارساتهم دون عقاب، مما يعكس حقيقة مؤلمة عن حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
المجاملات والمحسوبية على حساب المال العام
إن حماية الفاسدين في قطاع الكهرباء عبر المجاملات والمحسوبية ليست بالأمر الجديد. فمنذ سنوات، وأوضاع الكهرباء في مصر تشهد العديد من المشاكل والفساد، بدءًا من تسريب التيار وانتهاءً بتوزيع الكهرباء بطريقة غير عادلة وغير شفافة.
لكن هذه المرة، كان الفساد على مستوى عالٍ جدًا، حيث كانت مسؤولة كبيرة في الوزارة هي التي تقوم بسرقة التيار الكهربائي مباشرة لمصلحة فيلتها الخاصة. ومع ذلك، لم يتخذ الوزير أي إجراء حاسم ضدها، بل استمر في ممارسة سياسة المجاملات التي تعطي الضوء الأخضر للفاسدين للاستمرار في ممارساتهم.
الوزير والموقف الغامض
في إطار هذا التواطؤ، لم يتخذ وزير الكهرباء أي خطوة جادة لمحاسبة نادية قطرى أو حتى التحقيق في الأضرار التي تسببت بها سرقة الكهرباء. بل تم التعامل مع القضية على أنها مجرد هفوة يمكن تجاوزها.
وهذا يشير إلى مستوى الخطورة التي وصلت إليه الأمور في وزارة الكهرباء، حيث بات الفساد جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الداخلية للوزارة.
تكريم الفاسدين
أما في ما يتعلق بتكريم نادية قطرى من قبل وزارة الكهرباء، فقد أضاف ذلك مزيدًا من الاستهجان إلى الوضع الحالي في القطاع الكهربائي. في وقت كان من المفترض أن يتم اتخاذ إجراءات حاسمة ضدها، تم تكريمها هذا العام بلقب “الأم المثالية” من وزارة الكهرباء، وهو تكريم يثير الاستغراب والغضب في وقت واحد.
كيف يمكن لمسؤولة متورطة في فساد خطير أن تتم مكافأتها في نفس الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من أزمة كهرباء مستمرة؟ كيف يمكن للوزارة أن تمنح هذا اللقب لامرأة متورطة في جريمة سرقة التيار الكهربائي، وهي من المفترض أن تكون قدوة في الالتزام بالقانون؟
تواطؤ الدولة مع الفساد
إن هذه الفضيحة تمثل عينة واضحة للفساد المستشري في مؤسسات الدولة المصرية، وخاصة في وزارة الكهرباء. فقد أثبتت الوقائع أن المسؤولين في هذا القطاع ليس لديهم أي احترام للقوانين أو حقوق المواطنين، بل يتم استخدام مناصبهم لمصالحهم الشخصية، ويتساهلون مع الفاسدين من أجل ضمان استمرارية مصالحهم الشخصية.
إن الفساد في قطاع الكهرباء ليس مجرد سرقة للتيار الكهربائي، بل هو سرقة لحقوق المواطنين واستنزاف للمال العام، ويجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في مواجهة هذه الظاهرة واتخاذ خطوات جدية للقضاء عليها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط