في خطوة مفاجئة وصادمة قررت وزارة الصحة وقف صرف الوجبات الغذائية للفرق الطبية في المستشفيات الحكومية التي تعمل بنظام تجميع ساعات العمل الأسبوعية مقابل الحصول على أيام راحة في وقت لاحق لتقليص النفقات على بند التغذية
هذا القرار لم يكن مجرد إجراء روتيني بل هو بمثابة القشة التي قصمت ظهر المنظومة الصحية في البلاد فالتوقيت الذي تم فيه الإعلان عن هذا القرار يجعلنا نتساءل عن نية الحكومة الحقيقية وهل يعي المسؤولون حجم الكارثة التي سيترتب عليها هذا القرار في ظل الظروف الحالية
إن الفرق الطبية في المستشفيات الحكومية تلعب دورًا بالغ الأهمية في تقديم الرعاية الصحية للمرضى رغم الأوضاع الصعبة التي يعانون منها من ضغط عمل هائل ونقص حاد في الموارد البشرية والمادية والعديد من التحديات اليومية ورغم كل ذلك كانت الوجبات الغذائية هي العامل الوحيد الذي يسهم في الحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية أثناء أداء عملهم في المستشفيات لكن يبدو أن وزارة الصحة قررت حرمانهم من هذا الحق الأساسي في محاولة لتوفير المال دون النظر إلى الآثار السلبية التي ستترتب على صحة هؤلاء الأطباء والممرضين
القرار الذي اتخذته الوزارة يتناقض تمامًا مع المطالب السابقة التي كانت قد تقدمت بها نقابة الأطباء والتي دعت مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة تحسين أوضاع المستشفيات من جميع النواحي بما في ذلك تغذية الفريق الطبي وقد حذر الأطباء من أن مثل هذه القرارات ستزيد من الضغط عليهم وتؤثر سلبًا على أدائهم خاصة في المستشفيات التي تعاني من نقص حاد في العمالة الطبية حيث يعمل الأطباء لفترات طويلة مما يتطلب توفير طعام مناسب لهم كي يتمكنوا من الاستمرار في أداء عملهم بكفاءة عالية
لكن يبدو أن الوزارة لم تستجب لهذه النداءات أو لم تضع في اعتبارها الأبعاد الإنسانية لهذا القرار الذي يهدد صحة هؤلاء الذين يبذلون جهدًا كبيرًا في إنقاذ أرواح المرضى وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم في ظروف قاسية وفي حين أن البعض يبرر هذا القرار بأنه يأتي في إطار ترشيد الإنفاق فإننا نتساءل: هل يعقل أن يكون تخفيض نفقات التغذية هو الحل لمشاكل النظام الصحي المتراكم؟ وهل من المعقول أن يكون هذا هو أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن تحسين الوضع المالي للمستشفيات؟
الواقع يقول إن هذه القرارات لا تقتصر على كونها مجرد إجراءات ترشيدية بل هي بمثابة طعنة في ظهر العاملين في القطاع الصحي الذين يعانون أصلاً من نقص الحوافز المادية وظروف العمل الصعبة في ظل تفشي الأمراض والمشاكل الصحية المتعددة والتي تتطلب جهودًا مضاعفة من هؤلاء الأطباء والممرضين ولعل ما يزيد الطين بلة هو أن هذه القرارات تأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط على المستشفيات الحكومية بسبب تزايد أعداد المرضى وزيادة متطلبات الرعاية الصحية وهو ما يجعل من الضروري تحسين بيئة العمل وتوفير احتياجات الفريق الطبي وليس العكس
إن حرمان الفرق الطبية من الوجبات الغذائية يعني في الواقع زيادة الضغط على الأطباء والممرضين الذين يعانون أصلاً من صعوبة التأقلم مع ساعات العمل الطويلة والمتعبة التي قد تصل إلى أكثر من 12 ساعة يوميًا وهو ما يؤثر سلبًا على قدرتهم على أداء عملهم بشكل جيد ويعرض صحتهم للخطر بل قد يتسبب في حدوث أخطاء طبية قاتلة بسبب الإرهاق الشديد وعدم القدرة على التركيز
ورغم تلك التحذيرات المتعددة إلا أن الوزارة أصرت على تنفيذ قرارها دون مراعاة للمطالب التي رفعها الأطباء والذين أكدوا مرارًا وتكرارًا أن هذا القرار لن يخدم سوى توجهات اقتصادية ضيقة لا تخدم مصلحة النظام الصحي بل قد تؤدي إلى تدهوره بشكل أكبر في المستقبل خاصة في ظل الظروف التي تمر بها المستشفيات الحكومية من نقص في الأدوية والمعدات الطبية والكوادر البشرية
هذه القرارات تعكس إلى حد بعيد مدى غياب الرؤية الاستراتيجية لدى المسؤولين في وزارة الصحة والذين يبدو أنهم لا يلتفتون إلى أهمية العناية بالعنصر البشري الذي يشكل الأساس في تقديم الرعاية الصحية بل يتم التركيز فقط على توفير المال دون النظر إلى التبعات الكارثية التي قد تترتب على هذه السياسة الضيقة الأفق
يجب على وزارة الصحة أن تتوقف عن اتخاذ قرارات عشوائية تضر بالقطاع الطبي وتزيد من معاناته يجب أن تركز على تحسين أوضاع العاملين في المستشفيات وتعزيز دعمهم من خلال توفير بيئة عمل ملائمة وتوفير التغذية المناسبة لهم خاصة في ظل الأعباء الكبيرة التي يتحملونها يوميًا أما ترشيد النفقات على حساب صحة هؤلاء الأطباء والممرضين فهو ليس حلاً بل هو بمثابة تصعيد إضافي للأزمة الصحية في البلاد
نسخ الرابط تم نسخ الرابط