في عهد محمد ناصف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، استشرى الفساد بشكل فاق كل التوقعات لدرجة أنه تجاوز حدود الفساد التي شهدتها الهيئة منذ نشأتها.
شهدت الهيئة في ستة أشهر فقط من تولي ناصف إدارتها فسادًا غير مسبوق لم يعرف له مثيل، ليؤكد بذلك فشل الإدارة التي قادها ناصف، حيث اتسمت هذه الفترة بالضعف الواضح في محاسبة الفاسدين، بل إن ناصف نفسه لم يتوان عن إلقاء اللوم على الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة في محاولاته للإصلاح من خلال إقالة القيادات الفاسدة والفاشلة، وهو ما يعكس غيابًا تامًا للقدرة على التعامل مع الأزمات التي تعصف بالهيئة.
الفساد في الهيئة لم يكن مجرد إهمال أو سوء تدبير، بل تجاوز ذلك ليأخذ شكلًا منظمًا وممنهجًا لسرقة المال العام بشكل علني، حيث لم يتردد المتورطون في ارتكاب جرائم فساد تتعلق بإهدار الموارد المالية بأرقام ضخمة تفوق قدرة الهيئة على تعويضها.
أما آخر تجليات هذا الفساد فقد تجسدت في إحدى أكبر الكوارث التي تم الكشف عنها هي واقعة سرقة كبل الكهرباء الخاص بمباني الهيئة القديم في عمارات العرائس، حيث قام كل من المقاول بسام عثمان، وطارق الفخراني، ومحمد عمارة بفك الكبل الكهربائي الذي يغذي المباني من جراج المحليات ومجلس الوزراء إلى الطابق الثاني عشر، وهو ما أسفر عن خسائر فادحة تقدر بـ 15 مليون جنيه، وهي قيمة المقايسة الخاصة بالكبل.
الفاجعة الكبرى كانت في أن هؤلاء المتورطين لم يكتفوا بسرقة جزء من الكبل فقط، بل عمدوا إلى سرقة اللوحات الخاصة بتوزيع الكهرباء على الشقق، والتي كانت ضمن المشروع الكهربائي الخاص بالمباني.
وتعود القصه عندما اشتكى الأهالي الذين يملكون الطوابق الأربعة الأولى للمباني من هذه السرقة، فقد تم إعادة الجزء الخاص من الكبل الكهربائي حتى الطابق الخامس فقط، في حين استولى هؤلاء الأشخاص على بقية الكبل ليتسببوا في خسارة أخرى تقدر بملايين الجنيهات للهيئة، مما أدى إلى تزايد الخسائر التي تكبدتها الهيئة.
ورغم أن هذه السرقة قد تسببت في خسائر فادحة للهيئة، فإن المسؤولين عن هذه الجريمة ظلوا بعيدين عن أي محاسبة أو جزاء وهو ما يعكس حجم التواطؤ الكبير بين الفاسدين داخل الهيئة.
ولم يكن هذا الحدث هو الوحيد الذي كشف عن حجم الفساد المستشري داخل الهيئة، بل تأتي هذه الواقعة لتضاف إلى سلسلة من المخالفات والتجاوزات التي شهدتها الهيئة في ظل غياب الرقابة الحقيقية من قبل ناصف.
وإذا كان هناك أي شك في أن هذه الجرائم قد ارتكبت بعلم وتواطؤ من قبل مسؤولي الهيئة، فإن ما يثبت ذلك هو عدم الرجوع إلى شركة الكهرباء، وهي الجهة الوحيدة المخولة بفك وتركيب العدادات الكهربائية. لقد تم تجاوز هذه القواعد بشكل صارخ، إذ لم يتم الحصول على التصريحات اللازمة من شركة توزيع الكهرباء قبل القيام بهذه الأعمال، وهو ما يعد مخالفة قانونية تستوجب المساءلة.
حيث قام المسؤولون في الهيئة، ومن بينهم المذكورون في هذه القضية، بفك العدادات وتركيبها دون الرجوع إلى شركة الكهرباء للحصول على التصاريح اللازمة، وهو ما يعد مخالفة قانونية صارخة. وإذا ما تم التحقيق في هذه القضية بشكل جاد، فإن الهيئة مهددة بتهمة سرقة تيار كهربائي، بالإضافة إلى المساءلة القانونية عن تعمد فك العدادات دون الحصول على تصريح مسبق من شركة توزيع الكهرباء.
ومن هنا يطرح السؤال: كيف يمكن للهيئة أن تستمر في هذا الوضع الذي يعمّ فيه الفساد بلا رقيب؟ وأين هو دور محمد ناصف، الذي كان من المفترض أن يكون المسؤول الأول عن اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة هذه التصرفات غير القانونية؟ إن استمرار الفساد داخل الهيئة يعكس حالة من التراخي وعدم الجدية في محاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات الخطيرة.
ما حدث في الهيئة العامة لقصور الثقافة في عهد محمد ناصف هو جرس إنذار حول حجم الفساد الذي يهدد هذه المؤسسة الثقافية، التي من المفترض أن تكون مثالًا في النزاهة والشفافية.
ولكن الواقع يظهر أن الهيئة أصبحت مرتعًا للمفسدين، بسبب ضعف القيادة وتخاذل المسؤولين عن اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهة هذا الفساد.
وتتضاف هذه الكوارث إلى سلسلة من الفضائح الأخرى التي كان من المفترض أن تكون تحت رقابة مشددة من قبل وزارة الثقافة، إلا أن وزارة الثقافة نفسها كانت، كما أظهرت الأحداث، عاجزة عن إيقاف هذا التدهور الواضح.
بدلاً من اتخاذ الإجراءات الفورية لتصحيح الوضع، أصبح الفساد هو السمة البارزة التي ميّزت إدارة الهيئة في تلك الفترة. وقد وصل الحال إلى أن الهيئة أصبحت تُدار وفق أسلوب عشوائي وغير مهني، يسهم في تفشي الفساد واستغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية على حساب المال العام.
تظل الأسئلة بلا إجابة حول كيفية السماح لهذه التجاوزات بالتراكم والتصاعد بشكل ملحوظ دون أن تتحرك أي جهة رسمية للحد منها، بل أن الأخطر من ذلك هو وجود تقاعس صارخ من وزارة الثقافة نفسها في القيام بدورها الرقابي تجاه هذه الانتهاكات.
في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون هناك متابعة دقيقة للعمليات داخل الهيئة، فإن الوزارة لم تظهر أي تدخل فعال لمعالجة الوضع أو وقف هذا التدهور الخطير.
ما يحدث في الهيئة من فساد واضح ليس مجرد إهدار للمال العام، بل هو بمثابة سرقة علنية لحقوق الشعب المصري. ويبدو أن الفساد أصبح جزءًا لا يتجزأ من سياسة الهيئة تحت قيادة ناصف، الذي بدلاً من أن يتخذ خطوات جادة لمكافحة الفساد، أصبح يتنصل من المسؤولية ويحمّل الآخرون تبعات الفشل الذي يعيشه.
لا يمكن لأي مراقب أن يغض الطرف عن هذه الحقائق، بل إن السؤال الأهم الآن هو: إلى متى ستظل وزارة الثقافة تتفرج على هذا الانهيار دون اتخاذ أي إجراءات حقيقية؟
لقد تبين وبوضوح أن الهيئة في عهد ناصف أصبحت مرتعًا خصبًا للفاسدين، وبدلاً من أن تتحول إلى مؤسسة ثقافية رائدة، تحولت إلى مركز للسرقة والهدر المتواصل للموارد.
ومن المؤسف أن هذا الوضع السيئ لم يلقَ من الجهات المعنية أي رد فعل يعكس حرصًا على مصلحة الوطن. إن التحقيق في هذه الجرائم يجب أن يكون أولوية قصوى، ويجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها في محاسبة المتورطين وملاحقتهم قانونيًا بغض النظر عن مناصبهم أو ارتباطاتهم.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط