في فضيحة من العيار الثقيل تُضاف إلى مسلسل الفساد المتفشي في قطاع الكهرباء المصري، أثبت وزير الكهرباء الحالي، الدكتور محمود عصمت، أنه ليس سوى أداة في يد الحرس القديم داخل الوزارة، ويظهر بشكل واضح تقاعسه عن محاسبة المسؤولين عن الفساد والإهمال الذي يعصف بقطاع الكهرباء.
وهذه الفضائح لا تعد ولا تحصى، ولكن أبرزها تكمن في كارثة اختفاء 80 مليون لتر من السولار بمحطة كهرباء الشباب، ما أسفر عن خسائر تقدر بحوالي 2 مليار جنيه، وتستمر المعاناة مع غياب الشفافية وتحقيقات غير جادة من الوزارة.
الفضيحة الأولى: اختفاء 800 مليون جنيه من السولار في محطة كهرباء الشباب
أكبر فضيحة تتعلق باختفاء 80 مليون لتر من السولار في محطة كهرباء الشباب التي شهدت تدهورًا غير مسبوق. فقد تبين أن هناك اختفاء لمبلغ 800 مليون جنيه نتيجة لهذه الكميات المفقودة، وهو ما يُعد جريمة كبيرة ضد المال العام، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة طاقة خانقة وتقطع مستمر للكهرباء في معظم الأماكن.
هذه الفضيحة لم يتم التحقيق فيها بالشكل المطلوب، بل تم التغاضي عنها تمامًا، وظلت الأمور كما هي، دون أي خطوة حقيقية نحو محاسبة المسؤولين.
وأحد أبرز الأسباب وراء هذا التقاعس هو تحكم الحرس القديم في الوزارة والشركة القابضة، وعلى رأسهم المهندس جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، الذين استمروا في التلاعب بالأموال العامة، متسترين على الفساد.
ورغم أن محطة كهرباء الشباب تعتبر من المحطات الحديثة التي كانت تَعِد بتوفير طاقة كهربائية إضافية، إلا أن الانهيار في أدائها كان واضحًا منذ بداية تشغيلها، ما يثير تساؤلات مشروعة حول أسباب هذا التدهور المريب.
تقاعس الوزير: رضوخ لمخططات الحرس القديم
بدأت خيوط الفساد في قطاع الكهرباء تتضح مع تولي الدكتور محمود عصمت منصب وزير الكهرباء في 2022، حيث كان الوزير قد صرح في بداية توليه منصبه بأنه سيعمل على إيجاد حلول مبتكرة للأزمات المزمنة في قطاع الكهرباء.
ولكن مع مرور الوقت، تضاءلت تلك الوعود، وتبددت الآمال التي كانت معقودة على الإصلاحات الجذرية، وذلك بعد أن وُجد الوزير تحت سيطرة الحرس القديم في الوزارة.
ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يكون الوزير هو المحرك الأساسي للإصلاحات، وجد نفسه أسيرًا بين يدي “الحرس القديم” بقيادة جابر دسوقي، الذي استطاع فرض سيطرته على قرارات الوزارة وأصبحت أي خطوة إصلاحية تواجه مقاومة شديدة من داخل الوزارة نفسها.
بل إن الحرس القديم قام بإخفاء الحقائق عن الوزير الجديد، مستخدمين أساليب متطورة لتوجيهه إلى التعامل مع الأمور بشكل غير عملي أو علمي، مشيرين له إلى الإنجازات الشكلية التي تم الترويج لها بشكل إعلامي، مثل زيارة المحطات القديمة التي كانت قد افتتحت في عهد الوزراء السابقين، وأكدوا للوزير أن هذه المحطات تعمل بكفاءة، دون الإشارة إلى الأزمات الحقيقية التي تعيشها المحطات الجديدة.
محطة أبوقير: 13 مليار جنيه ذهبت هباءً
أحد أبرز الأمثلة على التلاعب في قطاع الكهرباء كان محطة أبوقير التي تم إنشاؤها بتكلفة وصلت إلى نحو 13 مليار جنيه. ورغم أن هذه المحطة لم يمض على افتتاحها أكثر من عام، إلا أن وحداتها توقفت بسبب أعطال جسيمة.
ولعل المفاجأة الكبرى كانت أن هذه الأعطال لم تكن نتيجة لعوامل طارئة، بل كانت نتيجة لعيوب جسيمة في تصميم المحطة وتنفيذها. وبرغم تلك الكارثة، حاول الحرس القديم أن يخفوا هذه الحقائق عن الوزير الجديد، خشية أن يؤدي كشف الفساد إلى محاسبتهم.
محطة حلوان: انفجار وحدة بتكلفة 4.5 مليار جنيه
فضيحة أخرى لا تقل فداحة عن سابقتها تمثلت في انفجار وحدة بمحطة كهرباء حلوان التي تم تدشينها بتكلفة تصل إلى 4.5 مليار جنيه، بعد أقل من عامين من تشغيلها.
هذه الكارثة التي تم إخفاؤها عن الوزير الجديد كانت تمثل فشلًا ذريعًا في إدارة المحطات الجديدة، وفضيحة في كيفية تنفيذ مشروعات كهرباء حيوية، لكنها قوبلت بتجاهل كامل من الوزير والحرس القديم، الذين عملوا على إخفاء آثار هذا الفشل.
اجتماعات مع رؤساء شركات التوزيع: تحايل لإخفاء الفشل
من ناحية أخرى، عقد الوزير الدكتور محمود عصمت اجتماعات مع رؤساء شركات التوزيع فور توليه منصب الوزارة. الهدف الظاهر كان وضع خطط جديدة لوقف نزيف الأموال بسبب تدني تحصيل الفواتير والفقد الفني والتجاري للطاقة، إلا أن هذه الاجتماعات كانت عبارة عن إجراءات شكلية، تم التلاعب خلالها بالأرقام والحقائق، مع استبعاد أي محاسبة حقيقية للمسؤولين عن تدهور القطاع.
بل إن الحرس القديم اجتهد في ترويج صور مزيفة عن الإنجازات، بينما كانت الحقائق بعيدة كل البعد عن تلك الصورة التي تم تزييفها.
محطة كهرباء الشباب: 800 مليون جنيه مهربة إلى محطات أخرى
في خطوة غير مسبوقة ومثيرة للشكوك، قام المسؤولون في الشركة القابضة لكهرباء مصر بتوزيع السولار المفقود من محطة كهرباء الشباب على محطات أخرى مثل محطة أبو سلطان وغيرها، في محاولة للتستر على فضيحة اختفاء السولار.
ورغم أن كل محطة لها حصتها المقررة من الوقود وفقًا للعقود مع وزارة البترول، إلا أن هذا الإجراء لم يكن سوى محاولة فاشلة للتمويه على التحقيقات المرتقبة، وإخفاء الأدلة التي تكشف عن حجم الفساد الكبير داخل قطاع الكهرباء.
وقد سادت حالة من التمويه والتلاعب بالأرقام حول الكميات التي تم تهريبها، في محاولة لتشويش الحقائق، لدرجة أن رئيس شركة شرق الدلتا لإنتاج الكهرباء ادعى أن فقد السولار كان بسبب تهريب في أحد الخزانات، وهو تفسير غير منطقي ولا يبرر الكميات الكبيرة المفقودة من السولار.
الوزير يغض الطرف عن الفساد: أسئلة مشروعة دون إجابات
في ظل هذه الفضائح التي كانت من المفترض أن تشعل فتيل التحقيقات، تمثل غياب أي تحرك حقيقي من الوزير حول هذا الموضوع علامة استفهام كبرى حول جديته في محاربة الفساد.
فبينما يظل المواطن المصري يعاني من أزمة الكهرباء، وأزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمر، تزداد التساؤلات حول غياب المساءلة الحقيقية.
لماذا لم يتحرك الوزير للبحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الفضائح؟ لماذا لم يطالب الوزير بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للكشف عن المسؤولين عن إهدار المال العام؟ لماذا يصر على إخفاء الحقائق بدلًا من مكافحتها؟ وهل أصبح مجرد أداة في يد الحرس القديم الذي يدير الوزارة بالشكل الذي يناسب مصالحه الشخصية؟
بناءً على جميع الأرقام والوقائع التي تم عرضها، فإن هناك أزمة حقيقية داخل قطاع الكهرباء المصري، تتجاوز نقص الوقود أو الأعطال الفنية.
المشكلة الأساسية تكمن في الفساد المستشري داخل الوزارة والشركة القابضة، حيث يتم إخفاء الحقائق وتضليل الرأي العام، ويتم التلاعب بالأموال العامة، مع تقاعس واضح من الوزير في محاسبة الفاسدين.
وبهذا الشكل، يظل قطاع الكهرباء المصري يعاني من مشاكل متراكمة وعجز واضح في إدارة الأزمات. فلم تعد الأزمة تقتصر على نقص الوقود أو الأعطال الفنية، بل أصبحت الفساد والتلاعب بالأموال العامة هو العائق الأكبر أمام أي تقدم حقيقي في هذا القطاع.
ومن الواضح أن الحرس القديم الذي لا يزال يسيطر على مفاصل الوزارة والشركة القابضة قد نجح في تحييد الوزير الجديد، مما يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة الحكومة المصرية على محاربة الفساد وتطوير القطاع العام.
إن غياب الرقابة الفعالة على هذه القطاعات الحيوية يعكس التقاعس الكبير من قبل الحكومة المصرية، التي بدلاً من أن تكون في صف المواطن، أصبحت في صف المتلاعبين بأموال الشعب.
ولعل هذا هو السبب الذي جعل قطاع الكهرباء يغرق في المزيد من الأزمات والفشل، بينما يستمر المسؤولون في التستر على الحقائق والتهرب من المسؤولية.
ومن هنا، يطرح الشعب المصري العديد من الأسئلة الملحة حول مصير الأموال العامة التي تم إهدارها في قطاع الكهرباء، مثل: لماذا تم توزيع السولار المفقود على محطات أخرى رغم أنه لا يوجد أي مبرر منطقي لهذا التصرف؟ ومن المسؤول عن اختفاء هذا السولار؟ ولماذا لم يتم اتخاذ أي إجراءات حاسمة ضد المتورطين؟ لماذا لم يتحرك الوزير للكشف عن تفاصيل الفساد الذي يمارسه الحرس القديم في الوزارة والشركة القابضة؟
إن هذه التساؤلات هي مجرد بداية للمطالبة بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن إهدار المال العام. ويتعين على الجهات الرقابية أن تتدخل فورًا للتحقيق في هذه الفضيحة، وحفظ جميع المستندات التي قد تكون عرضة للتلاعب والطمس. كما يجب على الحكومة المصرية أن تتحمل مسؤولياتها في محاربة الفساد وتوفير بيئة عمل شفافة ونزيهة في جميع قطاعات الدولة، بما في ذلك قطاع الكهرباء.
لقد آن الأوان لكي يشعر المواطن المصري بأن هناك جهة مسؤولة تقوم بمحاربة الفساد وتعمل على حماية المال العام من الهدر. ولا يمكن أن يكون وزير الكهرباء مجرد تابع للحرس القديم أو أداة لتغطية فساد المسؤولين، بل يجب أن يكون قائدًا حقيقيًا يستطيع تغيير الوضع الحالي ورفع الكفاءة التشغيلية للقطاع. ولكن حتى الآن، لا يبدو أن هناك أي مؤشر على أن هذا التغيير سيحدث، ما يثير العديد من المخاوف حول مستقبل هذا القطاع الحيوي.
يجب على الحكومة المصرية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة وتفتح تحقيقًا جادًا في هذه الفضائح. كما ينبغي على الوزير أن يتخذ إجراءات فعالة لمحاسبة المسؤولين عن إهدار المال العام وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء بشكل جاد. إن استمرار هذه الأوضاع هو خيانة للمال العام وللمواطن المصري الذي يعاني من انقطاع الكهرباء وتردي الخدمات.
فإن قطاع الكهرباء يحتاج إلى إصلاح حقيقي، وهذا الإصلاح لن يتم إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ومعالجة المشاكل الأساسية التي يعاني منها هذا القطاع، ويجب أن يكون لدى الحكومة والوزير القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لتحقيق ذلك.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط