منذ عدة أيام، أعلن عن نية السلطة في تشكيل حزب جديد في البلاد، الحزب المزمع تأسيسه تحت اسم اتحاد مصر الوطني، وهو الذراع السياسي للقبائل العربية، أو لإبراهيم العرجاني، الرجل الصاعد في المرحلة الراهنة، وهو ما سبق أن اتهم بقتل ضباط شرطة بسيناء قبل أشهر قليلة من نهاية حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك.
الحزب الجديد، هو دستوريا ليس له علاقة بالسلطة أو بالأحرى رئيس الجمهورية، فهذا الأخير غير مقرر أن يرأس أحزاب بحكم الدستور، وهو أمر مهم ومقدر بعد النواكب التي ارتكبتها أحزاب السلطة، إبان التعددية الحزبية الثالثة في 11/ 11 /1976 أو قبلها إبان التنظيم السياسي الواحد. لكن هذا الأمر لم يمنع أن تخوض الدولة سياسيا إلى اليوم في الشأن الحزبي، بدعوى إلا تنفلت الأمور من عقالها، وبذلك قام حب مصر أو من أجل مصر، ثم مستقبل وطن تحت رعاية الدولة ومؤسساتها.
مستقبل وطن في الوضع الراهن، أصبح قاب قوسين أو أدنى من الطرد من صرح أو ساحة السلطة، بالتأكيد سيبقى ضمن المنظومة الحزبية المهترأة أصلا، لكن نصيبه من كعكة البرلمان، لن تكون سوى أكثر أو أقل قليل، مما استحوذ عليه الوفد أو المصري الديموقراطي أو التجمع في انتخابات عام 2020. بعبارة أخرى، فتات المقاعد التي حصلت عليها تلك الأحزاب في انتخابات 2020، هو ذاته ما يمكن أن يحصل عليه مستقبل وطن في انتخابات 2024/ 2025، الأيام دول، وهكذا تكون لعبة السياسة لمن لم يسبق له أن جربها. فهي كذلك لمن مرد على التعاطي معها، وتمرغ في أوحالها أو أغدق بنعمها.
بالطبع، نوبة حزن عميق انتابت الكثيرين من الناس، ممن لا هم على غير دراية بفنون السياسة ودياجير ظلامها. فعشرات وعشرات فقدوا مئات الآلاف من الجنيهات، وربما الملايين التي دفعت نظير الولوج على قوائم مستقبل الوطن المعيبة والمهجورة عالميا في نظام القائمة المطلقة، في الانتخابات القادمة، وهي القائمة التي تضمن لمن له حظ الانضمام إليها،
أن يكون من أصحاب الحظوة، الذين كتب لهم الفوز بمقاعد البرلمان بشكل أشبه بالتعيين أو أشبه بالتزكية في هذا النظام الذي يزور إرادة الناخبين، لكونه يعلن فوز قائمة الأسماء المتواجدين بها بنسبة 100%، رغم كونها ربما لا تحصل إلا على 51% من الأصوات. بمعنى آخر، تسرق تلك القائمة 49% من الأصوات التي صوتت للقوائم الأخرى، بحكم القانون، وتضعه في جعبتها لمجرد حصولها هي على 51% من الأصوات!!!
الكثيرون راهنوا على بقاء الأمور على حالها، بأن مستقبل وطن سيظل الحزب الجالس على “حجر” السلطة، فقام هؤلاء بدفع مبالغ كبيرة تحت حساب الدعاية الانتخابية، وتحت حساب أمور أخرى كثيرة، الآن يطالب هؤلاء بإرجاع تلك الأموال دون مجيب،
حتى يركضوا لحزب القبائل العربية اليافع. ما حدث يكلف الأحزاب بدفع الفاتورة مرتين، مرة لمستقبل وطن، ومرة أخرى لاتحاد مصر الوطني المطلوب منه، أن يكون في الصدارة والواجهة؛ لكي يقود المشهد الانتخابي في المرحلة المقبلة.
يبقى السؤال الآن، ماذا فعل مستقبل وطن كي يلقى جزاء سنمار، وسنمار هو البناء الذي أُلقي به من فوق الصرح الفريد الذي بناه لملك الحيرة، بعد أن استخدمه الملك.
في البداية، يجب ملاحظة أن ما حدث لمستقبل وطن بتشييد حزب جديد يقود المرحلة القادمة، لا ينقطع في الأغلب الأعم عن خروج اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة عن المشهد السياسي في الدولة. فالمعروف أنه قد جرى تعيين حسن رشاد، بدلا من “كامل” في 16 أكتوبر الماضي. والمعروف أيضا لدى الكثير من الدوائر،
أن هذا الأخير كان مُوكول له عديد الملفات الداخلية التي منها الأحزاب السياسية، لذلك يربط البعض بين ما حدث من استبعاد مستقبل وطن، وخروج “كامل” من ساحة العمل الرسمي.
الأمر الآخر والمهم، إن استبعاد مستقبل وطن من المشهد كواجهة لمسيرة العمل الحزبي، والمُوكل له أن يكون بمثابة الحزب المهيمن أو القائد على ساحة العمل الحزبي، وسط الأحزاب الحديثة والعتيقة الأخرى التي ناهزت 80 حزبا على الأقل، هذا الاستبعاد ارتبط سياسيا في الأشهر القليلة الماضية بصعود نجم إبراهيم العرجاني،
وهو الرجل الذي اعتمدت عليه السلطة في الفترة الأخيرة لمواجهة الإرهاب الذي تقوده عديد الجماعات السلفية الداعشية في سيناء، وهي الجماعات التي استشرى نفوذها بعد صعود الإخوان إلى سدة الحكم عقب أحداث يناير 2011. المهم أن “العرجاني” الذي قام بهذا الدور الأمني، هو ذاته من قام بدور محوري في الشراكة في العديد من المؤسسات الاقتصادية المتعلقة بالبناء والسياحة والعقارات والأمن،
وقد طلب منه ذلك في إطار تكثير المؤسسات الاقتصادية التي تقودها الدولة على حساب القطاع الخاص التقليدي، والذي كان يقود المشهد التنموي بنسبة، تخطت الـ70% في نهاية عهد الرئيس الراحل حسني مبارك.
صعود “العرجاني” إلى ساحة العمل الاقتصادي بالشراكة مع آخرين عامين وخاصين، لا يجب أن يكون مصادفة، إذ أنه تواكب مع أفول نجم عديد رجال الأعمال التي كانت السلطة تعتمد عليهم كواجهة لأنشطة الدولة مثل، أبو هشيمة وغيره. لكن الفرق هنا أن هذه البروز ترافق مع تلميع وتسويق “العرجاني” نفسه أمام الدولة مع الترابين وغيرها من القبائل كحاضنة شعبية لمواجهة الإرهاب الداعشي في سيناء.
بطبيعة الحال، ترافق العاملين السابقين المتعلقين بخروج “كامل” ودخول “العرجاني” مع رغبة السلطة في مصر تجديد الدماء وتغيير الوجوه، حتى لو كانت تلك الوجوه وجوه معنوية، وليست مادية كمستقبل وطن.
تتواكب مسألة تغيير الوجوه مع وجود تردد بشأن فتح باب المجال العام ولو قليلا، بدلا من تركه مواربا. هنا يبدو أن النظام السياسي يستعد لتلميع وجوة وكيانات جديدة، فيخرج البعض من قوائم الإرهاب، كما حدث مؤخرا، بدلا من أن يلغي هذا القانون غير الدستوري، لكونه يقر عقوبات بلا محاكمة. وعلى نفس نهج الفتح المحسوب للمجال العام، يؤسس اليوم حزب جديد، يقود المشهد القادم، ولربما يوافق على منح حزبين معارضين قادمين جديدين ترخيصا،
وهو ما أشار إليه كل من أحمد ماهر رئيس حركة 6 إبريل، والكاتب ياسر الهواري بالرغبة في تأسيس حزبين معارضين.
نفس سياق فتح المجال العام، هو ذاته متصل على ما يبدو بالرغبة في تجديد الأوضاع في البرلمان. فالمعروف أن مجلس النواب قاد مستقبل وطن المشهد الانتخابي داخله عام 2020، وقاد هذا الحزب أيضا أداء البرلمان فيه، وهو الأداء الهش والضعيف والضحل، لأنه خلى من أي معارضة أو رقابة حقيقية.
كل ذلك تم عبر ما حصدته قائمة مستقبل وطن في الانتخابات، حيث حصدت 145 مقعدا، تتصل بأعضاء الحزب، و117 مقعدا لأحزاب شاركت في الانتخابات على قائمته المحظوظة والموعودة، كونها مطلقة، منهم 28 و21 و19 و12 مقعدا، هي لأحزاب تعمل تحت عباءة السلطة، وهي على التوالي الشعب الجمهوري، والوفد، وحماة الوطن، ومصر الحديثة. المهم أن البرلمان نفذ كل المطلوب منه ويزيد.
لكن الفترة القادمة ربما تحتاج ما هو أكثر، حيث سيشهد البرلمان فترة رئاسة جديدة، لم يقل أحد إن الدستور سيعدل فيها للتمديد للرئيس السيسي، لكن جوقة المنتفعين والمستفيدين من قادة الرأي والإعلاميين، يتوقع منهم أن يطالبوا بتعديل الدستور لهذا الغرض، رغم أن مطلب التعديل- إذا ما حدث- سيتناقض مع الدستور نفسه، الذي يرفض في الفقرة الأخيرة من المادة 236 منه أي تغيير في الأمور المتعلقة فيه بانتخاب الرئيس.
هكذا كان التغيير والتحول عن مستقبل وطن، وهكذا يتوقع أن تصير الأمور في المرحلة المقبلة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط