أثار مرسوم جديد نُشر في الجريدة الرسمية رقم 82 بتاريخ 18 ديسمبر 2024، تساؤلات واسعة حول مستقبل السلطة في الجزائر، حيث حدد صلاحيات الوزير المساعد لدى وزير الدفاع الوطني، اللواء سعيد شنقريحة. المرسوم منح شنقريحة سلطات واسعة تتجاوز دوره كرئيس الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي، مما عزز من نفوذه داخل هياكل السلطة العسكرية والحكومية على حد سواء بشكل لافت.
وفقاً للمرسوم الجديد، لا تقتصر مهام سعيد شنقريحة على دوره كرئيس الأركان، بل يتمتع بتفويض واسع لتوقيع جميع القرارات والمراسيم والإجراءات الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني. هذا التفويض يشمل كل ما يتعلق بالتنظيمات والقرارات الإدارية، مما يمنحه السيطرة شبه الكاملة على سير العمل في الوزارة، وجعل العديد من المراقبين يتساءلون عن الدور الذي بات يلعبه وزير الدفاع الوطني نفسه، حيث يبدو أن اللواء شنقريحة أصبح هو السلطة الفعلية على وزارة الدفاع.
المادة الثانية من المرسوم توضح أن سعيد شنقريحة لا يزال يعمل تحت إشراف وزير الدفاع الوطني، إلا أنه يتمتع بصلاحية تنفيذ المهام التي يفوضها إليه الوزير، كما يلتزم بتقديم تقارير دورية حول أنشطته. هذه المادة تبدو وكأنها محاولة للحفاظ على شكلية الرقابة، ولكن في الواقع، تمنح اللواء شنقريحة القدرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل إلى حد كبير، مما يعزز من قبضته على الوزارة.
أما المادة الثالثة، فهي تكشف عن حجم النفوذ الذي يتمتع به سعيد شنقريحة بصفته وزيراً مساعداً. تتضمن هذه الصلاحيات معالجة كافة المراسلات الموجهة إلى وزير الدفاع والمتعلقة بالشؤون الإدارية والتنظيمية، وتوقيع الردود المناسبة باسم الوزارة. كما يتولى شنقريحة مسؤولية متابعة الملفات الوزارية وتحديد الإجراءات المناسبة بشأنها، وفقاً لتوجيهات وزير الدفاع، ولكنه في الواقع هو الذي يتخذ القرارات النهائية في العديد من هذه القضايا.
تتجاوز مهام سعيد شنقريحة الجوانب الإدارية لتشمل الجوانب المالية والاقتصادية للوزارة، حيث يقوم بتنسيق إعداد الخطط الاقتصادية والموازنة العامة لوزارة الدفاع، ويشغل منصب الآمر الرئيسي للمصروفات، مما يعزز من قدرته على التحكم في الموارد المالية للوزارة. بالإضافة إلى ذلك، يترأس لجنة المشتريات القطاعية التابعة لوزارة الدفاع، مما يضعه في قلب عملية اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمشتريات العسكرية.
لم تتوقف صلاحيات شنقريحة عند هذا الحد، فقد توسعت لتشمل الجوانب التقنية والعلمية، حيث يُكلف بإدارة سياسة البحث العلمي والتقني في مجالات التكنولوجيا العسكرية والصناعات الدفاعية، بما في ذلك برامج التسليح والتطوير العسكري. ويتولى متابعة تنفيذ هذه السياسات بعد موافقة وزير الدفاع، مما يتيح له الإشراف المباشر على البرامج الحساسة المتعلقة بالدفاع الوطني.
كما يتمتع اللواء شنقريحة بصلاحيات متابعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بنزع السلاح، بما في ذلك الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، بالإضافة إلى الأسلحة التقليدية. ويمثل وزارة الدفاع في المحافل الدولية المتعلقة بهذه القضايا، مما يجعله المتحدث الرسمي باسم الجزائر في موضوعات حساسة تتعلق بالأمن القومي.
وفي إطار تعميق نفوذه، يتولى شنقريحة مسؤولية إدارة الموارد البشرية في وزارة الدفاع، حيث يشرف على وضع وتنفيذ السياسات المتعلقة بالتوظيف والترقية والنقل داخل الوزارة. كما يعالج مقترحات التعيينات في المناصب العليا، مما يمنحه السيطرة على الهيكل التنظيمي للوزارة. بعد موافقة وزير الدفاع، يتم إصدار القرارات النهائية المتعلقة بالتوظيف والترقية، مما يجعل شنقريحة هو الذي يتحكم فعلياً في جميع تحركات الكوادر داخل الوزارة.
وفي خطوة أخرى تعزز من دوره المركزي، يُكلف اللواء سعيد شنقريحة بمتابعة حسن سير العمل داخل كافة الهياكل التابعة لوزارة الدفاع. يعتمد في تنفيذ هذه المهام على الأمانة العامة للوزارة وديوان خاص مرتبط به مباشرة، مما يتيح له السيطرة الكاملة على كافة العمليات اليومية في الوزارة.
منذ توليه منصب رئيس الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي في ديسمبر 2019، بعد وفاة الفريق أحمد قايد صالح، أصبح سعيد شنقريحة لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي والعسكري الجزائري. وفي التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون في 18 نوفمبر 2024، تمت ترقية شنقريحة ليصبح وزيراً مساعداً لدى وزير الدفاع الوطني في حكومة الوزير الأول لعرابوي، وهو المنصب الذي منحه صلاحيات غير مسبوقة.
هذا التطور أثار قلقاً واسعاً بين المراقبين، حيث يرون في توسيع صلاحيات سعيد شنقريحة محاولة لترسيخ نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكومة الجزائرية. ومع تزايد التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه الجزائر، يبدو أن هذا التعديل يسعى إلى تعزيز الهيمنة العسكرية على مفاصل الدولة، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذا النفوذ على مستقبل الديمقراطية والحكم المدني في الجزائر.
إن توسيع صلاحيات سعيد شنقريحة يعكس توجهات الحكومة نحو تقوية دور المؤسسة العسكرية في الشؤون الحكومية، وقد تكون له تداعيات عميقة على التوازن بين المؤسسات المدنية والعسكرية في البلاد.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط