استفاقت غزة على فاجعة جديدة بانضمام أحد رموز الصمود الشعبي الفلسطيني إلى قائمة الشهداء، إذ اغتال القصف الإسرائيلي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة الجد خالد النبهان المعروف بلقب “أبو ضياء” الذي أسر القلوب بعبارته الشهيرة “روح الروح”.
في واحدة من أبشع الجرائم التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحق المدنيين العزل، تلاشت حياة النبهان بعدما دمرت قذائف المدفعية الإسرائيلية كل ما يحيط به لتسقطه شهيدًا بين أحضان الأرض التي عشقها ودافع عنها بكل كيانه، حسبما أكدت وكالة الأنباء الفلسطينية.
استشهاد النبهان لم يكن حدثًا عاديًا بل شكل صدمة قوية للفلسطينيين الذين رأوا في شخصه رمزًا للأبوة الحنونة والقلب الذي لم يعرف يومًا معنى الاستسلام، برفقته لقي فلسطينيان آخران حتفهم خلال الهجوم ذاته، فيما خلفت الغارات الإسرائيلية عددًا من المصابين الذين يعانون من جروح مختلفة، في تصعيد متجدد يستهدف القطاع الذي لم يعرف الهدوء منذ عقود.
“روح الروح” الحكاية التي أبكت الملايين
النبهان لم يكن مجرد رجل فلسطيني عادي بل كان صورة حية للألم والوجع الفلسطيني المتجدد، اشتهر بمقطع فيديو أبكى الملايين في الشهور الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة عندما حمل بين يديه حفيدته الشهيدة ريم التي قتلت بغارة إسرائيلية، ظهر في الفيديو وهو يواسي نفسه بحنو كبير وهو يقبلها ويقول عبارته الشهيرة “روح الروح هذه”، كان يحملها ويلعب معها وكأنها لا تزال على قيد الحياة في مشهد أبكى الصغار والكبار في آن واحد.
تلك اللحظة التي وثقها الفيديو، نقلت للعالم صورة أخرى عن حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، كيف يمكن لأب أن يعيش صدمة فقد حفيدته البريئة التي لم تعرف معنى الحرب ولا الجريمة، ورغم ذلك ظل خالد النبهان متمسكًا بابتسامته الحنونة وهو يرسل رسالة واضحة بأن الشعب الفلسطيني وإن نالته الجراح لن ينكسر.
أيقونة للصمود والإصرار
خالد النبهان لم يكتف بكونه جدًا مفجوعًا بفقد حفيدته، بل أصبح بمرور الأيام أيقونة لكل من يعاني من ويلات الحرب في غزة، تحول إلى وجه مألوف لكل من فقد أحباءه في الغارات الإسرائيلية، كان يتنقل بين العائلات المكلومة مواسيًا بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السيرة النبوية، يسعى بكل ما أوتي من إيمان لزرع الأمل في قلوب من أثقلهم الفقدان، كان يستشهد دائمًا بما حدث له ليبعث برسالة أن الصبر هو السبيل الوحيد للصمود أمام هذه المآسي.
خلال مسيرته لم يتوقف “أبو ضياء” عن تقديم الدعم المعنوي، ففي أحد المشاهد التي لاقت انتشارًا واسعًا، شوهد وهو يواسي طفلة صغيرة بُترت قدمها جراء غارة إسرائيلية، كان يمسح على رأسها بكلمات مليئة بالحنان ويبعث في نفسها القوة كي تتخطى محنتها، في تلك اللحظات رأى فيه الجميع تجسيدًا للأبوة المفقودة في ساحات الحرب، قوة جبارة بملامح هادئة وروح صلبة لا تهزم.
“هل نلتقي؟” آخر ما نشره
قبل استشهاده بأيام قليلة، نشر خالد النبهان عبر حسابه الشخصي على موقع فيسبوك مقطعًا يحمل عنوانًا مؤثرًا جدًا يعكس عزمه وإصراره رغم الألم، كان عنوان المقطع “نحن على العهد باقون يا بلادي”، كما أرفقه بوسم “روح الروح” في إشارة واضحة إلى أن الألم مهما كان كبيرًا، فإن الأمل والتمسك بالقضية الفلسطينية أقوى.
ظهر في المقطع صورة ثابتة له وهو يرفع علامة النصر بيديه، بينما كانت كلمات أنشودة “هل نلتقي؟” تتردد في الخلفية وتقول “هل نلتقي فالبعد مزق خافقي؟ هل نلتقي من بعد شوق محرق؟” كان واضحًا أن خالد النبهان كان يحمل في داخله شوقًا كبيرًا للقاء الأحباء الذين رحلوا في هذا الصراع المستمر، كان يتساءل بصدق عما إذا كان اللقاء ممكنًا رغم بعد المسافات ورغم قسوة الظروف.
استشهاد رمز للصمود والمعاناة
اليوم وقد استشهد خالد النبهان، تضاف قصة “روح الروح” إلى ذاكرة النضال الفلسطيني، لتكون شاهدًا آخر على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، استشهاده لا يقتصر على فقدان حياة رجل واحد، بل يعكس مشهدًا مأساويًا لأمة بأكملها تمزقها الغارات والحروب.
في كل مرة يسقط فيها شهيد، تتجدد جروح الوطن وتكبر الفجوة بين الفلسطينيين والهدوء المفقود، خالد النبهان كان صوتًا من أصوات المقهورين الذين لم يستسلموا رغم كل ما مروا به، واليوم برحيله يترك وراءه رسالة قوية لكل من بقي على هذه الأرض، رسالة مفادها أن النصر لا يأتي بالسلاح فقط، بل بالصبر والإيمان والتمسك بالحق.
لقد شكل خالد النبهان رمزًا نادرًا للصمود الشعبي، استشهاده ليس مجرد نهاية لقصة فردية بل هو نقطة تحول جديدة في مسيرة المقاومة الفلسطينية التي لن تعرف يومًا معنى الانكسار، فقصف مخيم النصيرات لم يقتل فقط شخصًا بل حاول أن يطمس روحًا نقية زرعت الأمل في قلوب آلاف الفلسطينيين، ولكن كما كان خالد النبهان حاضرًا رغم ألم الفقد سيظل حيًا في قلوب كل من شاهد “روح الروح”.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط