تدخل دكتورة ليلى سويف اليوم يومها التاسع والسبعين من إضرابها الكامل عن الطعام احتجاجاً على استمرار احتجاز ابنها الناشط السياسي علاء عبدالفتاح رغم انتهاء مدة حكمه، في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، وملفتة للنظر في ظل صمت المجتمع الدولي.
إضرابها، الذي أصبح قضية حية يراقبها الجميع، ليس مجرد اعتراض على الظلم الذي لحق بابنها فحسب، بل هو صرخة تدوي في أروقة السياسة العالمية مطالبة بالإفراج الفوري عن علاء، الذي أصبح الآن في سجنه ضحية لتقلبات القضاء وقرارات لا تحمل من العدل شيئاً.
منذ 29 سبتمبر الماضي، انتهت مدة حكم علاء عبد الفتاح بالسجن لمدة 5 سنوات، ولكن السلطات المصرية اختارت بكل عنجهية أن تحتسب مدة العقوبة من تاريخ تصديق الحكم في 3 يناير 2022، وليس من تاريخ القبض عليه في 29 سبتمبر 2019، كما كان ينبغي.
هذا التلاعب في تواريخ الاحتساب جعل علاء، الذي كان من المفترض أن يتم الإفراج عنه في سبتمبر المقبل، يواجه مصيراً مجهولاً قد يمتد إلى 2027. كيف يمكن أن يظل إنسان في السجن بعد أن استوفى عقوبته؟ ولكن هذا هو الواقع المظلم الذي يعيشه اليوم علاء.
في خطوة غير تقليدية، ولدت حالة من التضامن الشعبي والسياسي حول السيدة ليلى سويف، إذ أعلنت في البداية أنها لن تتوقف عن إضرابها إلا بإطلاق سراح ابنها علاء.
في كلماتها، أكدت أن هناك ثلاثة سيناريوهات لهذا الإضراب: الأول هو أن يُفرج عن علاء قبل أن تتدهور صحتها، الثاني هو أن تتدهور صحتها بشكل كارثي قد يؤدي إلى موتها، أما الثالث، فهو الأكثر رعباً، إذ يعني أن علاء سيظل في السجن ولا يخرج منه أبداً، وأنها ستظل تراقب مأساته عن كثب، وهو أمر يوشك أن يحطم قلبها بالكامل.
ماذا ينتظر العالم ليعترف بهذه المأساة ويضغط لإنهاء هذه المعاناة؟ كيف يمكن أن يُحتجز شخص بعد انتهاء محكوميته؟ هل أصبحت حياة المصريين رخيصة إلى هذا الحد؟
ومنذ الخميس الماضي، تقف دكتورة ليلى سويف في اعتصام أمام مبنى وزارة الخارجية البريطانية، مطالبة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، بالتدخل الفوري لدى الحكومة المصرية للإفراج عن ابنها الذي يحمل الجنسية البريطانية بجانب المصرية.
لقد بدأت هذه الوقفة كنداء فردي، ولكنها سرعان ما تحولت إلى صرخة جماعية، حيث لاقت تأييداً من عشرات من الشخصيات العامة، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والكتاب، والصحفيين الذين عبروا عن تضامنهم الكامل مع دكتورة ليلى، وأعلنوا دعمهم الكامل لمطالبها المشروعة.
لكن السؤال الأهم: لماذا لا تتحرك الحكومة البريطانية على وجه السرعة لإنهاء هذه المأساة؟ لماذا لا تتحمل مسؤوليتها تجاه رعاياها في الخارج؟ في ظل هذا الصمت المطبق، تصبح القضايا الإنسانية وكأنها مجرد أرقام على ورق، في حين أن الشخص الذي يعاني هو إنسان له حق في الحياة والعدالة.
هل تتجاهل الحكومة البريطانية مصالحها لمجرد أنها تخشى توتر علاقاتها مع النظام المصري؟ ألا تملك شجاعة اتخاذ موقف حاسم؟
وفي وقت سابق، تقدمت سناء سيف، شقيقة علاء، وزميلتها منى، بطلب رسمي من أجل العفو عن شقيقهما، لكن يبدو أن هذا الطلب وقع على آذان صماء. كيف يمكن للسلطات أن ترفض طلباً كهذا، في وقت أصبح فيه علاء رمزاً للصمود في وجه القمع؟
كيف يمكن استكمال هذه المأساة بكل هذه اللامبالاة؟ هل يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل هذه القضية أكثر من ذلك؟ أم أن التضامن الشعبي والدولي سيبقى محصوراً في حدود التصريحات والشجب بينما تستمر المعاناة؟
حالة علاء عبد الفتاح أصبحت اليوم تمثل صورة صارخة لما يحدث خلف أسوار السجون المصرية، حيث يُعتبر الشخص الذي يرفض الاستسلام للظلم، والذي يرفع صوته ضد انتهاكات حقوق الإنسان، عدو النظام ويُحاسب على مواقفه السياسية بطريقة ظالمة.
وإذا كان علاء قد خرج من السجن بالفعل منذ أشهر، إلا أنه لا يزال محبوساً في شكل آخر، وهو الحبس غير المعلن، الذي يحاصر عائلته وأصدقائه وزملاءه.
بينما العالم ينظر في صمت، يبدو أن هذا الجرح العميق سيظل يدمى طالما لا يوجد تدخل حقيقي ينقذ علاء من هذا الجحيم.
هل ستستمر دكتورة ليلى سويف في صمودها، أم أن الوضع سيصل إلى نقطة اللاعودة؟ هذا الإضراب الذي لا يمكن تحمله إلى أجل غير مسمى يهدد بتحويله إلى قضية دولية تضع النظام المصري تحت ضغط غير مسبوق. العالم اليوم يراقب، والأمل في أن تندلع شرارة من هذا الحراك الكبير يظل قائماً.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط