يعاني نحو 700 مليون شخص حول العالم الفقر، وهو ما يُعرّفه البنك الدولي (World Bank) بأنه العيش بأقل من 2.15 دولار يوميًا. وتحقيق هدف القضاء على الفقر الذي يُعدّ من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يتطلب معرفة دقيقة بمن هم بحاجة إلى المساعدة وما احتياجاتهم الفعلية. لكن جمع بيانات دقيقة عن الفقر يمثل تحديًا مستمرًا؛ إذ يتطلب وقتًا طويلًا وتكاليف مرتفعة، خاصة في المناطق النائية، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي يُعد وسيلة مبتكرة لتجاوز هذه العقبات، من خلال تحليل البيانات الضخمة بطرق أكثر كفاءة وأقل تكلفة مقارنةً بالطرق التقليدية.
استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في مكافحة الفقر
في أواخر عام 2020، ومع تفاقم جائحة كوفيد-19، تلقى عشرات الآلاف من القرويين في توغو رسائل على هواتفهم المحمولة تفيد بتلقيهم دعمًا ماليًا مباشرًا. فقد أُرسلت نحو 10 دولارات أمريكية كل أسبوعين إلى حساباتهم عبر خدمات الدفع الإلكتروني، وهو مبلغ ربما لا يبدو كبيرًا، لكنه كان كافيًا لمنع بعض الأُسر من مواجهة الجوع.
عادةً ما تعتمد مشاريع المساعدات التقليدية على بيانات تُجمع من خلال المسوح الميدانية التي لم يكن من الممكن إجراؤها خلال الجائحة. ولكن في توغو، لجأت الحكومة إلى الذكاء الاصطناعي لتحديد المستحقين للمساعدات ضمن برنامج يُسمى (Novissi)، ويعني “التضامن” بلغة الإيوي وهي لغة سكان توغو.
قاد المشروع Cina Lawson وزيرة الاقتصاد الرقمي في توغو، بالتعاون مع باحثين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي (University of California Berkeley) ومنظمة GiveDirectly غير الربحية. واعتمد المشروع على تحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الهواتف المحمولة لتقدير مستوى الفقر في مناطق معينة وتحديد الأفراد الأكثر احتياجًا للمساعدة.
يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم تحليلات أسرع وأكثر شمولًا من المسوح التقليدية؛ إذ يستطيع تعرف أنماط الفقر من خلال بيانات الأقمار الصناعية وسجلات الهواتف المحمولة. كما أنه قادر على مساعدة الباحثين في تقييم مدى نجاح البرامج التنموية، وقياس تأثير الاستثمارات في مجالات مثل الصحة والزراعة والتعليم والبنية التحتية.
يُدرك البنك الدولي هذه الإمكانيات، وهو ما دفعه إلى تطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة للتنبؤ بأزمات الغذاء والصراعات، بالإضافة إلى تحليل البيانات الضخمة لتقييم نتائج المساعدات. وفي تقريره الأخير (Poverty, Prosperity, and Planet) لعام 2024، أوصى البنك بالاستفادة من التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي لسد الفجوات في البيانات وتحسين متابعة أوضاع الفقراء.
التحديات والمخاوف المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة الفقر
يواجه الذكاء الاصطناعي انتقادات تتعلق بالتحيز والتمييز؛ إذ يشير Ola Hall الجغرافي في جامعة لوند في السويد (Lund University in Sweden)، إلى أن هذه النماذج قد تعكس تحيزات عنصرية أو جنسية، مثلما تفشل المسوح التقليدية أحيانًا في تحديد الأسر الفقيرة التي لا تملك مساكن دائمة ويتنقلون باستمرار. كما أن الأشخاص الذين لا يتركون أثرًا رقميًا بسبب عدم امتلاكهم هواتف محمولة قد لا يصنفون ضمن مستحقي المساعدات.
من ناحية أخرى، قد يقدم الذكاء الاصطناعي تحليلات غير صحيحة في بعض الأوقات، ففي واحدة من تجارب استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد الأُسر التي تحتاج إلى مساعدات في أفريقيا، تعاونت منظمة GiveDirectly غير الربحية مع جوجل لتقديم مساعدات مالية لعائلات في إفريقيا معرضة لخطر الفيضانات وفقًا لتنبؤات الذكاء الاصطناعي. ولكن بعض المناطق لم تتعرض للفيضانات كما توقعت النماذج؛ مما أدى إلى حصول بعض الأسر على المساعدة مع أنها ليست بحاجة إليها، ولم تتلقَّ أُسر أخرى أي مساعدات مع أنها تضررت بسبب الفيضانات.
التكامل بين الذكاء الاصطناعي والطرق التقليدية
يعتقد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة وليست بديلة عن المسوح التقليدية؛ إذ تقدم الخوارزميات تحليلات سريعة، وأما المسوح الميدانية فهي ضرورية للتحقق من دقة البيانات وضمان عدالة توزيع المساعدات.
وهذا يعني أن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال يمكن أن يساعد في تحسين استجابة الحكومات ومنظمات الإغاثة لمساعدة الفئات الأكثر احتياجًا في الوقت المناسب.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط