يشهد مجال إنترنت الأشياء تطورًا متسارعًا، فقد اندمج مع الذكاء الاصطناعي ليقدم لنا ما يعرف باسم (الذكاء الاصطناعي للأشياء) AIoT، الذي يجمع بين نقاط القوة في كلتا التقنيتين، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات متنوعة، خاصة في مجال المنازل الذكية.
ويمكن تعريف الذكاء الاصطناعي للأشياء، بأنه استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن البنية التحتية لأنظمة إنترنت الأشياء، مثل: المنصات والخوادم والأجهزة والبرمجيات، بهدف تحسين أدائها وتقليل استهلاك الطاقة والموارد، وتحسين تفاعلات البشر مع الآلة وتعزيز عمليات إدارة البيانات وتحليلها وقدرات اتخاذ القرار.
وعلى عكس أنظمة إنترنت الأشياء التقليدية، التي تجمع البيانات وتنقلها إلى خادم بعيد للمعالجة، تتميز أجهزة إنترنت الأشياء الاصطناعي بقدرتها على معالجة البيانات محليًا ولحظيًا، وتسمح هذه القدرة الفريدة لهذه الأجهزة باتخاذ قرارات ذكية وفورية، مما يجعلها أكثر كفاءة وفعالية.
وقد أدى هذا التطور إلى تبني واسع النطاق للذكاء الاصطناعي للأشياء في مختلف المجالات، مثل التصنيع الذكي، وأمن المنازل الذكية، ومراقبة الرعاية الصحية.
وفي تطبيقات المنزل الذكي، يُعدّ تعرّف النشاط البشري بدقة أمرًا ضروريًا، إذ يمكن لأنظمة (AIoT) اكتشاف الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الأفراد داخل المنزل، مثل: الطهي أو ممارسة الرياضة، وذلك من خلال تحليل البيانات التي تجمعها الأجهزة الذكية، وبناءً على هذه التحليلات، يمكن للنظام ضبط الإضاءة تلقائيًا، أو تشغيل الموسيقا المناسبة، أو تحسين استخدام الطاقة، مما يوفر أقصى درجات الراحة والكفاءة لسكان المنزل.
ومن بين الأساليب المتنوعة المستخدمة لتعرف الحركة والأنشطة في المنازل الذكية، تبرز تقنية (الواي فاي) Wi-Fi، كخيار مفضل للعديد من الأسباب، منها: توفرها على نطاق واسع في معظم المنازل، كما أنها تتميز بفعاليتها من حيث التكلفة، وقدرتها على الحفاظ على خصوصية المستخدمين.
ومع ذلك تواجه تقنية (الواي فاي) بعض التحديات في تعرّف الأنشطة، مثل التداخل البيئي، الذي يؤثر في دقة التعرف، لذلك، يسعى الباحثون باستمرار إلى تطوير حلول مبتكرة للتغلب على هذه العقبات.
MSF-Net.. إطار جديد لتعرّف الأنشطة بدقة وكفاءة:
في خطوة مبتكرة نحو تطوير أنظمة لتعرف النشاط البشري، طور فريق من الباحثين، بقيادة البروفيسور جوانج جيل جون، من كلية تكنولوجيا المعلومات في جامعة إنتشون الوطنية في كوريا الجنوبية، إطار عمل جديد للذكاء الاصطناعي للأشياء (AIoT) يُسمى (MSF-Net)، يهدف إلى تحسين دقة تعرف الأنشطة باستخدام إشارات الواي فاي، وقد نشر الباحثون تفاصيل هذا الإطار في مجلة إنترنت الأشياء التابعة لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE Internet of Things Journal).
ويشرح البروفيسور جون الدافع وراء تطوير هذا الإطار، قائلًا: “يُعدّ تعرّف النشاط البشري باستخدام شبكات الواي فاي أحد التطبيقات الهامة في مجال الذكاء الاصطناعي للأشياء، وقد أصبح شائعًا بنحو متزايد في المنازل الذكية. ومع ذلك، غالبًا ما يكون أداء هذه الأنظمة غير مستقر بسبب التداخلات البيئية، التي تؤثر في إشارات الواي فاي، لذلك،كان هدفنا هو التغلب على هذه المشكلة وتحسين دقة تعرف الأنشطة”.
ومن هذا المنطلق طور الباحثون إطار MSF-Net للتعلم العميق، وهو نظام قوي يهدف إلى تحقيق تعرّف النشاط البشري بدقة عالية، سواء كان ذلك على مستوى الأنشطة الخشنة مثل المشي والجري، أو الأنشطة الدقيقة مثل التقاط شيء ما أو الكتابة، و يعتمد هذا الإطار على معلومات حالة القناة (CSI) التي توفرها إشارات الواي فاي.
ولكن كيف يعمل إطار (MSF-Net)؟
يتكون إطار (MSF-Net) من ثلاثة مكونات رئيسية تعمل بتكامل لتحقيق أداء متميز، وهي:
- (هيكل ثنائي التدفق) Dual-stream structure: يتألف من تحويل فورييه القصير المدى (STFT) – وهو أسلوب لتحليل الإشارات المتغيرة بمرور الوقت – وتحويل المويجة المنفصلة (DWT) – وهو أسلوب آخر لتحليل الإشارات، يفيد في الكشف عن التغيرات المفاجئة في الإشارة – ويهدف هذا الهيكل إلى تحليل إشارات الواي فاي من خلال منظورين مختلفين، مما يساعد في تحديد المعلومات الشاذة والتقاط التفاصيل المهمة.
- (مُحوِّل) Transformer: يعمل هذا المكون على معالجة المعلومات القادمة من المكون السابق لاستخلاص المزايا المهمة من البيانات بكفاءة.
- آلية (Attention-Based Fusion Branch): وهي آلية لإدماج المعلومات من مصادر مختلفة مع إعطاء وزن أكبر لأكثر المعلومات أهمية، لذلك تعمل هذه الآلية على إدماج المعلومات القادمة من مختلف المراحل السابقة (STFT و DWT) بطريقة فعالة لتحسين دقة تعرّف النشاط.
نتائج مبهرة وتطبيقات واسعة:
أجرى الباحثون سلسلة من التجارب المكثفة للتحقق من أداء إطار (MSF-Net) في تعرّف النشاط البشري باستخدام تقنية الواي فاي، وقد أظهرت النتائج تفوق الإطار على التقنيات الحالية، إذ حقق نتائج رائعة في مقياس (Cohen’s Kappa)، إذ بلغت النسب المئوية 91.82%، و 69.76%، و 85.91%، و 75.66% على مجموعات بيانات مختلفة.
وتؤكد هذه النتائج إمكانية تطبيق هذا الإطار في مجالات متنوعة مثل:
- المنازل الذكية: تحسين تجربة المستخدم من خلال توفير خدمات ذكية مخصصة بناءً على أنشطة السكان.
- الطب التأهيلي: مراقبة تقدم المرضى وتوفير برامج تأهيلية مخصصة.
- رعاية كبار السن: ضمان سلامة كبار السن من خلال اكتشاف حالات السقوط أو التغيرات في الأنشطة اليومية.
- الأمن: يمكن استخدام (MSF-Net) لتعزيز أنظمة المراقبة الأمنية، من خلال تعرّف الأنشطة المشبوهة.
مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي للأشياء:
يُمثل هذا الإطار خطوة هامة نحو تطوير تقنيات ذكية تساهم في تحسين جودة حياة الأفراد، وتوفير المزيد من الراحة والأمان في منازلهم. ومن المتوقع أن يشهد مجال الذكاء الاصطناعي للأشياء المزيد من التطورات في المستقبل القريب، مما سيؤدي إلى ابتكار تطبيقات أكثر ذكاءً وكفاءة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط