إعداد: خنساء الزبير
فاجأت القيادة الصينية الأسواق مطلع الأسبوع بالإشارة إلى تحول في موقفها من السياسة النقدية بعد 14 عاماً، ما يشير إلى أن التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد راسخة تماماً، ومع ذلك لا يرجح الخبراء تقديم تحفيز كبير أو ما يعرف ب«البازوكا».
وتسعى الصين إلى تحويل موقف سياستها المالية في العام المقبل إلى «متساهل إلى حدٍ ما» من «حذر» وهو النهج الذي لم تنتهجه منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 عندما خففت من موقفها وتمسكت به حتى عام 2010.
هذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها القيادة الحالية بأن السياسة النقدية يجب أن تكون متساهلة، ما يمهد الطريق ل«دورة تخفيف نقدي جديدة»، بحسب ما يرى لاري هو، كبير الاقتصاديين في ماكواري، والذي استطلعت رأيه شبكة «سي إن بي سي».
ويقول إن مثل هذه النبرة تشير إلى شعور صناع السياسات بقلق عميق بشأن التوقعات الاقتصادية، نظراً لضعف الطلب المحلي وتهديد اندلاع حرب تجارية أخرى.
ورغم سلسلة من إجراءات التحفيز منذ أواخر سبتمبر/أيلول، فقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية الأخيرة أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم لا يزال يعاني ضغوطاً انكماشية وسط ضعف الطلب الاستهلاكي وتراجع طال أمده في سوق المساكن.
وقال تاو وانج، رئيس قسم الاقتصاد الآسيوي وكبير خبراء الاقتصاد الصيني في بنك «يو بي إس» للاستثمار، والذي يتوقع خفض أسعار الفائدة بأكثر من 50 نقطة أساس على مدى العامين المقبلين: «إن هامش التيسير النقدي المحتمل أصبح الآن أكثر محدودية مقارنة بما كان عليه قبل 15 عاماً».
مشهد تاريخي
أطلقت الحكومة الصينية حزمة تحفيز نقدي ضخمة، تاريخية، استجابة للأزمة المالية العالمية وأعلنت بكين حينها عن حزمة بقيمة 4 تريليونات يوان (586 مليار دولار) في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 وهو ما يعادل نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي للصين في ذلك الوقت، والهدف دعم النمو والتخلص من تأثير أسوأ تباطؤ اقتصادي لم يشهده العالم منذ أكثر من سبعين عاماً.
وعندما تبنت السلطات موقف السياسة النقدية الميسرة بشكل معتدل في عام 2008 خفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة القياسي للإقراض لمدة عام واحد بإجمالي 156 نقطة أساس ونسبة الاحتياطيات النقدية بنحو 1.5 نقطة مئوية خلال دورة التيسير، حسبما قال مينغ مينغ، المسؤول السابق في إدارة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني، لصحيفة إيكونوميك أوبزيرفر المدعومة من الدولة.
وفي الشهر الماضي كشفت البلاد عن حزمة تحفيز مدتها خمس سنوات بقيمة إجمالية تبلغ 10 تريليونات يوان لمعالجة مشاكل ديون الحكومات المحلية في حين أشارت إلى أن المزيد من الدعم الاقتصادي سيتبع ذلك العام المقبل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول قال تينج لو، كبير خبراء الاقتصاد الصيني في نومورا، إن هذا لا يمثل سوى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للصين.
وقال خبراء الاقتصاد في مورغان ستانلي إن برنامج مبادلة الديون يحتاج إلى توسيع نطاقه بشكل كبير لتعويض ديون المركبات المالية للحكومات المحلية، والتي بلغت ما يقرب من نصف حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويتوقع مورغان أن يتسع العجز المالي للحكومة المركزية بنحو 1.4 نقطة مئوية العام المقبل، مع زيادة اقتراض الحكومة لدعم الاقتصاد. وقد أبقت الصين على هدف عجز الحكومة المركزية عند 3% هذا العام.
قيود بنك الشعب
بدأ بنك الشعب الصيني في خفض أسعار الفائدة الرئيسية منذ أواخر سبتمبر/أيلول، بعد أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دورة التيسير بخفض كبير بلغ 50 نقطة أساس في منتصف سبتمبر/أيلول. ووفرت تخفيضات أسعار الفائدة التي أجراها الفيدرالي الأمريكي مساحة للصين لخفض تكاليف الاقتراض المحلي دون التسبب في انخفاض حاد في قيمة اليوان الصيني.
ومع ذلك امتنع بنك الشعب عن إجراء تخفيضات أكثر صرامة لأسعار الفائدة بسبب المخاوف من هروب رأس المال المحتمل إذا اتسعت الفجوة بين أسعار الفائدة الصينية وتلك الموجودة في أماكن أخرى. وقال جو وانج، رئيس استراتيجية أسعار الصرف والعملات الأجنبية في الصين الكبرى لدى «بي إن بي باريبا» في مذكرة يوم الثلاثاء، إن نبرة اجتماع المكتب السياسي يوم الاثنين عززت توقعات السوق بأن بنك الشعب الصيني من المرجح أن يخفض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 40 إلى 50 نقطة أساس لتصل إلى ما يقرب من 1% بحلول نهاية عام 2025.
تدابير تدريجية
أضاف وانغ، من يو بي إس، أنه سيتم الكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن خطط السياسة الكلية لبكين في مؤتمر العمل الاقتصادي السنوي، الذي يقال إنه جارٍ وسينتهي يوم الخميس.
ولكن معظم الأهداف السياسية الرئيسية وتفاصيل تدابير التحفيز لن يتم الإعلان عنها إلا في المؤتمر الشعبي الوطني في مارس/آذار المقبل.
ويترقب المستثمرون والاقتصاديون أي تنفيذ ملموس للسياسات، وخاصة فيما يتصل بالدعم المالي الإضافي وحوافز الاستهلاك المباشر.
ويرى بعض الخبراء بأن اللهجة القوية التي صدرت يوم الاثنين لا تشير إلى أن «التحفيز على غرار البازوكا سيحدث على الفور».
فربما يطرح كبار القادة تدابير تحفيزية جديدة بطريقة تدريجية تعتمد على البيانات، مع الاحتفاظ ببعض التحفيز في الاحتياطي للاستجابة للتعرفات الجمركية الأمريكية المحتملة العام المقبل.
وقال وانغ إن إنعاش الاستهلاك المنزلي يمثل أولوية قصوى لصناع السياسات، وتوقع أن تضاعف الحكومة برنامجها التجاري إلى أكثر من 300 مليار يوان لتحفيز الإنفاق المحلي.
وأعلنت الصين في يوليو/ تموز الماضي عن تخصيص 300 مليار يوان (41.5 مليار دولار) في سندات حكومية خاصة طويلة الأجل للغاية لدعم سياسة تحديث المقايضة والأصول الثابتة، في محاولة لدعم الطلب الاستهلاكي.
وقال ساني ليو، الخبير الاقتصادي البارز في أوكسفورد إيكونوميكس في مذكرة يوم الأربعاء، إنه بخلاف برنامج المقايضة، فإن حزمة التحفيز المالي الحالية لم تركز كثيراً على تعزيز الاستهلاك، وهو أمر أساسي لإنعاش الاقتصاد، مؤكداً أن الصين ستستمر في مواجهة ضغوط انكماشية في الأمد القريب.