للدولة حدود جغرافية واقتصادية وسياسية تعمل حكوماتها ضمنها لإعطاء أفضل النتائج للمواطنين. مهمات الحكومات متشعبة وصعبة، وهي مراقبة داخلياً ودولياً وبالتالي عليها إظهار الجدية في العمل ضمن معايير الشفافية والفعالية والإنتاجية. الفساد مرفوض دولياً، لكنه موجود بكثرة خاصة في الدول التي تدعي الاستقامة في العمل. هنالك أنظمة سياسية مختلفة لكن العبرة تبقى دائماً في النتائج، أي هل تتحسن أوضاع المواطنين معيشياً نتيجة أعمال وقرارات حكوماتها؟
مالياً هنالك نتيجتان مهمتان وهما العجزان الداخلي والخارجي. ماذا يعني العجز المالي الداخلي أي عجز الموازنة؟ عندما يزيد الإنفاق عن الإيرادات يحصل عجز يجب تمويله من السوق الداخلي أو الخارجي. هنالك رابط كبير بين عمل الحكومة والشفافية كما فعالية الأسواق المالية ومؤسساتها من مصرفية وغيرها. تفاقم العجز المالي مضر تضخمياً ومعيشياً إذ سيكون على المجتمع الحالي والمستقبلي تسديد الديون مع خدمتها. يكون التأثير على النمو والبطالة كبيراً، وبالتالي لا يمكن السير بعجز كبير مستمر يتفاقم دون برامج للتسديد.
الحكومة المسؤولة تتابع تطور عجزها وبالتالي تقوم بتحصيل الإيرادات والتنبه إلى الإنفاق دون هدر مع هدف دائم يكمن في تخفيف الفساد الذي يمتد داخل كل القطاعات العامة. العجز المالي مهم لكن الأهم تأثيره في المؤشرات الاقتصادية من نمو وبطالة وفوائد وتوزيع للدخل والثروة وتنمية وغيرها. ما يدعو للعجب هو بعض التشريعات غير المنطقية في أهم الدول التي تسمح بالإنفاق أياً كانت أسبابه. في الولايات المتحدة مثلاً، يمكن لمجلس النواب أن يزيد الإنفاق أياً تكن الانعكاسات على التضخم شرط أن يكون ذلك ضمن السقوف المسموح بها.
ماذا يعني العجز الخارجي الذي يحصل عندما تخرج العملات الصعبة من البلد أكثر من دخولها إليه. ميزان الحساب الجاري مهم جداً لكن أهميته ليست مالية فقط بل اقتصادية لما تعنيه للمواطن العادي وللبلد ككل. معالجة العجز الخارجي تتم عبر سياسات عدة أهمها تشجيع الاستثمارات الداخلية، وثانياً تشجيع الصادرات لجذب العملات الصعبة. في الحالتين، سيتأثر الاقتصاد خاصة في أسواق العمل والنمو مما ينعكس إيجاباً على حياة المواطن العادي ومعيشته. تخفيف العجز الخارجي يعالج النزف المالي، لكن أهم من ذلك يزيد الثروة الداخلية عبر النمو والعمل وتحسين كل مؤشرات الإنتاجية والتنافسية.
هذا يعني أن ما يهم في الأخير هو تأثير الحسابين في المؤشرات الاقتصادية العامة التي تدخل ضمنها معايير مالية ونقدية واجتماعية. هنالك معياران كبيران يجب أن يوجها دائماً عمل الحكومات وهما الشفافية والإنتاجية لضمان نوعية النتائج. قال الاقتصادي «أبا لرنر» إن على الحكومة أن تعدل دائماً موازنتها للحفاظ على البطالة الدنيا، مما يعني أن الموازنة هي الأداة والوسيلة وليست الهدف كما يعتقد البعض. هنا يكمن دور الحكومات في تحويل بعض البطالة التي لا يستوعبها القطاع الخاص إلى القطاع العام مؤقتاً وطوعاً، أي إعطاؤهم فرصاً للعمل في الخدمات العامة كالكهرباء والمياه والهاتف والنقل في المدن والمناطق.
* كاتب لبناني