مع بداية عام 2025 وعودة الموظفين إلى العمل بعد عطلة الأعياد، ينطلق الجميع بحماس وطاقة إيجابية استعداداً لتحقيق إنجازات جديدة، لكن السؤال الذي يطرحه الخبراء هو: إلى متى سيستمر هذا الحماس قبل أن يواجه العديد منهم ظاهرة الاحتراق الوظيفي؟
تشير الدراسات الحديثة إلى أن هذه الظاهرة قد تحدث قريباً جداً:
* أظهر استطلاع جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية، لعام 2024، أن 45% من الموظفين يعانون الاحتراق الوظيفي.
* وجدت دراسة جمعية علم النفس الأمريكية، لعام 2023، أن 57% من العاملين يعانون آثاراً سلبية مرتبطة بهذه الظاهرة.
* في استطلاع أجرته شركة «ديلويت»، أفاد 77% من الموظفين، بأنهم عانوا الاحتراق الوظيفي في وظائفهم الحالية.
وعلى الرغم من أن الأرقام تختلف بين الدراسات، فإن النسب المرتفعة تعكس أزمة متزايدة، تتطلب حلولاً عاجلة. إذاً، ما الذي يمكن للقادة فعله لمنع فرقهم من الوقوع في دوامة الاحتراق الوظيفي؟
تنظيمية لا شخصية
قبل التعمق في الحلول، من المهم فهم ماهية الاحتراق الوظيفي، فغالباً ما يُعتقد أن هذا الاحتراق مشكلة فردية، ناتجة عن ضغوط الحياة، أو عدم توافق الفرد مع وظيفته، لكن الواقع يشير إلى أن السبب غالباً ما يكون مرتبطاً بممارسات تنظيمية وإدارية. وتوضح الكاتبة جينيفر موس، في كتابها «وباء الاحتراق الوظيفي»، أن هذه الظاهرة ناتجة عن مجموعة معقدة من الممارسات التنظيمية الخاطئة والسياسات المؤسسية القديمة. وتضيف: «الاحتراق هو نتيجة لتراكم ممارسات العمل السيئة، والتقاليد المؤسسية العتيقة، والأدوار والشخصيات المعرضة للخطر، إضافة إلى مشكلات اجتماعية لم تُحل منذ فترة طويلة». وهذا يعني أن الإدارة الجيدة يمكن أن تكون حائط الصد الأول ضد الاحتراق، ولكن ما الذي يجب أن يفعله القادة تحديداً؟
نموذج لمكافحة الاحتراق
هناك نموذج «سمارت» SMART الإطار العملي لمكافحة الاحتراق الوظيفي، حيث قدّم عالما النفس التنظيمي شارون باركر وكارولين نايت نموذجاً يعتمد على خمسة محاور رئيسية يمكن أن تساعد القادة على بناء بيئة عمل صحية. يُطلق على هذا الإطار اسم «SMART»، وهو اختصار لخمس ممارسات تنظيمية أساسية:
1 - عمل محفز (Stimulating Work)
يحتاج الموظفون إلى مهام متنوعة تحفزهم، وتتيح لهم استخدام مهاراتهم وتطويرها. العمل الروتيني والممل يزيد من احتمالية الاحتراق.
{ الحل: قم بتقديم مشاريع جديدة وتحديات مبتكرة، وامنح الموظفين فرصة لتعلم مهارات جديدة.
2 - الإتقان (Mastery)
يفضل الموظفون الشعور بالسيطرة على عملهم، ومعرفة كيف تسهم جهودهم في تحقيق الأهداف الأكبر.
* الحل: قدم ملاحظات مستمرة على الأداء، ووضح الأدوار والمسؤوليات لكل موظف.
* التأكد من أن الموظفين يفهمون أهدافهم، يشجعهم على العمل بفعالية، ويقلل من التوتر.
3 - الاستقلالية (Autonomy)
إن الشعور بالتحكم في العمل وجدول المهام اليومية، يعزز الثقة والرضا.
* الحل: امنح الموظفين مرونة في اتخاذ القرارات المتعلقة بأعمالهم.
* تجنب الرقابة المفرطة، وركز على تمكين الموظفين، وتشجيعهم على الابتكار.
4 - العمل العلائقي (Relational Work)
إن العلاقات الاجتماعية الإيجابية، داخل مكان العمل، تلعب دوراً كبيراً في منع الاحتراق الوظيفي.
* الحل: عزز الروابط الاجتماعية بين الموظفين، من خلال العمل الجماعي والتواصل المستمر.
* وفر فرصاً للموظفين للتفاعل بشكل إيجابي ومساعدة الآخرين.
5 - مطالب مقبولة (Tolerable Demands)
زيادة عبء العمل، وساعات العمل الإضافية الطويلة، يؤديان إلى الإرهاق.
* الحل: قم بمراجعة عبء العمل، وتجنب التوقعات غير الواقعية.
* ضع أهدافاً واضحة وقابلة للتحقيق، وتأكد من أن بيئة العمل لا ترهق الموظفين.
تطبيق نموذج «سمارت»
لتطبيق هذا الإطار بنجاح، يجب على القادة اتخاذ خطوات عملية تشمل:
1. تقييم بيئة العمل الحالية: حدد المشكلات الأساسية، التي قد تسهم في الاحتراق.
2. تقديم الدعم والتدريب: عزز مهارات الموظفين، وقدرتهم على التعامل مع التحديات.
3. التواصل المستمر: استمع إلى مخاوف الموظفين، واستجب لاحتياجاتهم.
4. إعادة تصميم المهام: تأكد من أن الموظفين يملكون فرصاً للنمو والتطور.
الإنتاجية والرضا الوظيفي
إن حماية الموظفين من الاحتراق، ليست مجرد واجب إنساني، بل هي أيضاً خطوة استراتيجية تعزز الإنتاجية والرضا الوظيفي.
وباستخدام نموذج SMART، يمكن للقادة خلق بيئة عمل محفزة ومتوازنة، ما يساعد الموظفين على الحفاظ على طاقتهم وإبداعهم طوال العام. ابدأ الآن بتقييم ممارساتك التنظيمية، وطبق هذا النموذج لضمان عام مملوء بالنجاح والرضا لفريقك. كما أن تشجيع ثقافة التوازن بين العمل والحياة، من خلال سياسات مرنة، مثل خيارات العمل عن بُعد أو جداول العمل القابلة للتكيف، يسهم في تحسين رفاهية الموظفين، وعندما يشعر الأفراد بأن لديهم مساحة للراحة والتجديد، يكونون أكثر قدرة على الحفاظ على مستويات عالية من الأداء والإبداع على المدى الطويل.