مع دخول دونالد ترامب فترة رئاسته الثانية في عام 2025، تواجه الأسواق المالية الأمريكية حالة من عدم اليقين المتزايدة. ففي العام الماضي، أظهرت الأسواق حساسية مفرطة تجاه المفاجآت الاقتصادية، ويبدو أن هذا الاتجاه سيستمر خلال العام الجديد. وتعد أسواق السندات الأمريكية، وخاصة سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، من أبرز المؤشرات على هذا الاتجاه.
ووفقاً لتحليل صادر عن «جولدمان ساكس»، فإن حساسية عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات تجاه بيانات التضخم والنشاط الاقتصادي العام الماضي كانت الأعلى منذ أكثر من 20 عاماً. ورغم أن معدلات التضخم شهدت تراجعاً، وتراجعت المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، وبدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، إلا أن هذه الحساسية ما زالت قائمة، ما يثير القلق من احتمالية حدوث تقلبات كبيرة.
وفي حين أن حساسية الأسهم تجاه التضخم تراجعت بسبب انخفاض الضغوط التضخمية، إلا أنها لا تزال مرتفعة مقارنة بالمعايير التاريخية. ومع ذلك، بدأت حساسية الأسهم تجاه مفاجآت النمو الاقتصادي في الارتفاع لتقترب من مستويات مماثلة لما كانت عليه خلال جائحة «كوفيد-19».
وعلى الرغم من انخفاض مؤشرات التقلبات الضمنية في الأسهم والسندات، إلا أن الأسواق تبدو في وضع أكثر هشاشة مقارنة بالعام الماضي. وتشير الكثير من المؤشرات، مثل التقييمات والمزاج العام للمستثمرين، إلى أن الأسواق وصلت إلى مستويات قياسية من الامتداد. فقد حققت الأسهم الأمريكية أعلى مستوياتها على الإطلاق، وأصبحت تشكل جزءاً كبيراً من القيمة السوقية العالمية. لكن هذا لا يعني أن الأسواق محصنة ضد التصحيحات.
ويظل ترامب، بسياساته التجارية وتصريحاته غير المتوقعة، عاملاً رئيسياً في زيادة التقلبات. ووفقاً لما ذكره ستيوارت كايزر من مصرف «سيتي»، هناك علاقة قوية بين التقلبات الكلية وتقلبات السوق. ومع استمرار الغموض حول سياسات ترامب التجارية وكيفية استجابة الاحتياطي الفيدرالي، يظل عدم اليقين مرتفعاً.
وفي أحدث استطلاع أجراه بنك أوف أمريكا، تم تصنيف «الحرب التجارية العالمية التي تؤدي إلى ركود» و«التضخم الذي يجبر الاحتياطي الفيدرالي على رفع الفائدة» على أنهما أكبر المخاطر التي تواجه الأسواق العالمية. واعتبر 37% من المشاركين أن هذين العاملين هما أكثر تهديداً مقارنة ب 10% فقط الذين رأوا أن الصراعات الجيوسياسية تشكل تهديداً رئيسياً.
ومن المتوقع أن تؤدي التحولات السياسية الكبيرة المقبلة إلى زيادة التقلبات في الأسواق. وصحيح أن السنة الأولى من فترة دونالد ترامب الأولى شهدت أداءً جيداً في «وول ستريت»، حيث ارتفع مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 19%، ولكن الظروف الاقتصادية حينها كانت مختلفة، مع تضخم منخفض وأسعار فائدة منخفضة ونمو اقتصادي قوي. اليوم، مع الظروف الأكثر تعقيداً والأسواق المفرطة في التمدد، حتى المفاجآت الاقتصادية البسيطة قد تؤدي إلى تحركات كبيرة في الأسواق.
نظرة مستقبلية: هل تستمر السوق الصاعدة؟ قد تكون الأسواق قادرة على التكيف مع التقلبات دون أن تتعرض لتغييرات جذرية في الاتجاه العام. يرى بعض المحللين، مثل فيل سوتل، أن الأسواق قد تشهد تقلبات كبيرة، لكن دون تغييرات حاسمة، مع استمرار المستثمرين في تقييم السيناريوهات المختلفة.
وفي النهاية، يبدو أن مزيجاً من الأسواق المفرطة في التمدد وسياسات ترامب غير المتوقعة سيخلق بيئة مليئة بالتقلبات خلال عام 2025. المستثمرون مدعوون للاستعداد لرحلة مليئة بالتحديات قد تحمل معها الكثير من الضوضاء والتقلبات.