جوليانا ليو *
في صيف عام 2018، عندما شنّ الرئيس الأمريكي السابق حرباً تجارية على بكين، كان الاقتصاد الصيني في حالة جيدة، مع توقعات بأنه قد يتجاوز الولايات المتحدة قريباً كأكبر اقتصاد عالمي.
الآن، مع بقاء أسابيع على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن ما بدا وكأنه عملاق، تضاءل إلى حد كبير في مواجهة تحديات الملكية والديون والانكماش، ولا تبدو الصين مستعدة لخوض معركة أخرى. لكن المظاهر قد تكون خادعة!
لأنه وبفضل استيعاب الطريقة التي يعمل بها ترامب، تجهزت الصين بشكل أفضل للتعاطي مع احتمال أن ينفذ وعيده ويفرض رسوماً جمركية تزيد على 60% على السلع المبيعة للولايات المتحدة، وذلك من خلال مزيج من تنويع التجارة والانتقام المستهدف ضد الشركات الأمريكية ودعم الاستهلاك المحلي.
وقال دكستر روبرتس، مؤلف نشرة الحرب التجارية وزميل في المجلس الأطلسي: «استعدت الصين لهذا اليوم، والولايات المتحدة أقل أهمية بكثير لشبكتها التجارية مما كانت عليه من قبل». وبسبب الحرب التجـــارية الأولـــى التي استمرت في عهد الرئيس جو بايدن، بدأت الشركات الصينية في خفض اعتمادها التجاري على الولايات المتحدة، والتأثير واضح بالفعل في البيانات الثنائية الصادرة.
فبعد أن كانت التجارة بين البلدين عند أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2022، تجاوزت المكسيك الصين العام الماضي كأكبر مُصدّر للسلع إلى الولايات المتحدة، وهي التي احتفظت بهذا اللقب لعشرين سنة على التوالي، قبل أن تنخفض صادراتها إلى بلاد العم سام بنسبة 20% إلى 427 مليار دولار عام 2023.
ومع ذلك، استوردت دول مجموعة السبع نحو 30% من صادرات الصين لنفس الفترة. وعلى الرغم من انخفاض تدفقاتها التجارية إلى الولايات المتحدة، فإن حصة الصين العالمية من الصادرات تبلغ الآن 14%، ارتفاعاً من 13% قبل 5 سنوات عندما فرض ترامب أول تعريفاته الجمركية.
في المقابل، من غير المرجح أن تلجأ بكين لاستخدام أسلحتها الفعالة من ترسانتها الانتقامية، مثل بيع سندات الخزانة الأمريكية، وهي التي تُعد ثاني أكبر حامل لهذه السندات في العالم. أو تُخفض قيمة اليوان أكثر، بعد أن نزفت العملة بالفعل 12% مقابل الدولار الأمريكي على مدى السنوات الثلاث الماضية مع تباطؤ زخم النمو.
إن هذه التدابير الدرامية، من بيع سندات أو تلاعب بالعملة، لن تساعد الجانب الصيني الذي لا يميل عادة إلى الرد بشكل مباشر وبهذه الطريقة على التهديدات. فسوق الأوراق المالية عميق وسائل، ولا يوجد نقص في المشترين. وبدلاً من ذلك، ربما تنتقم بكين من الشركات والصناعات الزراعية الأمريكية، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً.
وهناك من يرى أن الرد لن يكون بسيطاً على التعريفات الجمركية، بل أكثر استهدافاً وغير متكافئ. كما قالت ليزا توبين، المديرة الأولى للاقتصاد في مركز أبحاث الدراسات التنافسية الخاصة الأمريكي. فالصين تضغط بالفعل على الشركات الأجنبية العاملة لديها، ومنها أمريكية بالطبع، بهدف دفعها للخروج من سوقها المحلية.
وفي السياق نفسه، ليست الصين الهدف الوحيد للرسوم الجمركية التي يعتزم ترامب تطبيقها. فقد اقتُرح فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و20% على جميع السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، وهي زيادة كبيرة عن المتوسط الحالي البالغ 2% أو في كثير من الحالات، صفر. كما اقتُرح فرض رسوم بنسبة 100% أو 200% على السيارات المصنوعة في المكسيك، أو على المنتجات التي تصنعها الشركات التي تنقل التصنيع من الولايات المتحدة إلى الجارة الجنوبية.
ولكن الصين، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، لديها أيضاً سوق داخلية استهلاكية ضخمة يمكنها الاستناد إليها إذا لعبت أوراقها بشكل صحيح. فأفضل استجابة يمكن أن ترد بها بكين على الرسوم الجمركية هي ترتيب بيتها الداخلي، واستعادة الثقة بين رواد الأعمال الصينيين الذين يمثلون 90% من العمالة الحضرية ومعظم الابتكارات. وهذا من شأنه أن يعزز ثقة المستهلكين والسوق المحلية على حد سواء، ويخفف من تأثير ضعف الصادرات إلى الولايات المتحدة.
الشهر الماضي، أعلن المكتب الوطني للإحصاء أن الاقتصاد الصيني تباطأ بشكل أكبر في الأشهر من يوليو إلى سبتمبر، مثقلاً بالاستهلاك الضعيف الذي نتج جزئياً عن المشاكل المستمرة في سوق العقارات. وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.6% في الربع الأول، وهو أقل من نسبة 5% المستهدفة.
إذن، يواجه اقتصاد الصين مجموعة من المشاكل. وبعد صيف من البيانات الكئيبة، قرر المارد الآسيوي أخيراً المضي قدماً في حزمة التحفيز التي تشتد الحاجة إليها، والتي تركز في الغالب على التدابير النقدية. لكن التحركات الأكبر قد تنتظر قليلاً ريثما يعلن ترامب عن تعريفاته الجديدة من البيت الأبيض رسمياً بمجرد توليه المنصب.
لو انهارت صادرات الصين، وهو أمرٌ مستبعد، فلن يكون أمام صُناع سياساتها خيار سوى رفع التحفيز إلى المستوى التالي، وسيكون إصلاح سياسة الإسكان هو المفتاح. لكن التاريخ يقول إن بكين تميل إلى الرد على التهديدات في وقتها، وليس بشكل استباقي.
* محررة قسم الأعمال لدى شبكة «سي إن إن»