الأحد 15 ديسمبر 2024 02:25 صباحاً
عالم من السحر وتجربة ملهمة أثرت فى وجدان أجيال كاملة، بموهبتها المتفردة والأصيلة التى جعلتها واحدة من أبرز أيقونات الفن المصرى والعربى، هى النجمة شيريهان التى تحتفل بميلادها الـ٦٠.
لم تكن شيريهان التى بدأت رحلتها الفنية منذ الطفولة مجرد فتاة صغيرة تحلم بالأضواء، بل تجسيد لمزيج من العبقرية والموهبة والإصرار الذين شكلوا ملامح نجمة لا تُنسى، فميلادها فى عائلة فنية جعلها تلتقى بكبار القامات الفنية منذ صغرها، ساعدها شقيقها عمر خورشيد أن تلتقى بأم كلثوم التى حملتها وهى طفلة صغيرة ووضعتها على إحدى الطاولات وطلبت منها الرقص دون موسيقى، وأهدتها قطعة من الشكولاتة إعجابا بأدائها.
موقف آخر جمعها بعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش فى عيد ميلاد شقيقها فى بيروت وكانت وقتها لم تتجاوز الثامنة من عمرها، وقامت بالرقص على صوت حليم وفريد، فقام العندليب بإهدائها سلسلة بها عين زرقاء كان يرتديها ليعبر فريد عن غيرته من الموقف ويهديها بالفعل فى اليوم التالى سلسلة أخرى بها عين زرقاء أيضا، لا تزال شيريهان تحتفظ بهما.
ثم جاءت البداية من خلال مشاركتها فى برامج الأطفال، وقدمت دورا وهى طفلة صغيرة فى فيلم «قطة على نار» أمام نور الشريف وفى نهاية السبعينيات شاركت فى مسرحية «ربع دستة أشرار» مع فؤاد المهندس وشويكار، لكنها حظيت بشهرة أكبر بعد أن قدمت دورا رئيسيا فى مسرحية «سك على بناتك» مع فؤاد المهندس بعدها بعام فى بداية الثمانينيات، لتتصدر أفيش «الخبز المر» فى عالم السينما مع فريد شوقى ومحمود عبد العزيز، لتبدأ رحلة من البطولات فى عالم السينما والمسرح والدراما، فقدمت أفلام «العذراء والشعر الأبيض» أمام نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز وإخراج حسين كمال، كونت دويتو سينمائيًا مع عادل إمام فى أفلام «مين فينا الحرامى» و«خلى بالك من عقلك»، وفى منتصف الثمانينيات حققت نقلة فى طبيعة أدوارها السينمائية فلم تعد تلك الفتاة الخفيفة ذات الجمال الهادئ، راهنت على التعاون مع أبرز مخرجى الثمانينيات فقدمت مع خيرى بشارة «الطوق والأسورة»، ومع محمد خان «يوم حار جدا»، ومع رأفت الميهى فى «ميت فل»، وعاطف الطيب فى «جبر الخواطر»، ورضوان الكاشف فى «عرق البلح».
إلى جانب تلك الأعمال التى حملت أسلوبًا فنيًا مميزًا تركت شيريهان بصمة فى عالم الاستعراض والفوازير، فلم تكن مجرد ممثلة أو راقصة لكنها أعادت تعريف الفن الاستعراضى فى مصر فى منتصف الخمسينيات، من خلال الفوازير التى قدمتها منتصف الثمانينيات، والتى تعتبر بمثابة نقطة تحول فى تاريخ التليفزيون العربى، حيث قدّمت مفهومًا مختلفًا للفوازير، جمعت بين الإبداع البصرى، الأداء الراقص، والكاريزما الاستثنائية، فقدمت «فوازير ألف ليلة وليلة» «عروسة البحور» و«ألف ليلة وليلة:وردشان وماندو» و«حليمة وفاطيما وكاريما» و«حول العالم»، وإلى جانب الفوازير تألقت فى المسرح الاستعراضى فى «علشان خاطر عيونك» و«شارع محمد على».
النجاح الكبير الذى حققته شيريهان فى عالم الاستعراض لم يكن سهلا، فقد اعتمدت على تدريبات مكثفة لتقديم حركات احترافية، وكانت تفكر فى كل التفاصيل من أزياء وألوان وحتى تعبيرات وجهها، وهو ما جعلها أقرب إلى لوحة فنية متحركة.
جرعة الدهشة والفرحة التى حققتها شيريهان على الشاشة كان لها وجه آخر خلف الكواليس حيث كانت تخفى قوة غير عادية، وحياة مليئة بالتحديات والصراعات، بدأت من صراعات عائلية وهى صغيرة مع أسرة والدها دفعتها للنضج المبكر، وحادث كاد ينهى حياتها المهنية، ومعركة صحية شرسة مع مرض السرطان، لتصبح أيقونة الفرح والسعادة رمزا للتحدى، وبعد أن غابت عن جمهورها فى بداية الألفية وبالتحديد فى ٢٠٠٢ بآخر أفلامها «العشق والدم»، حققت حلم العودة فى ٢٠٢١ من خلال عرض «كوكو شانيل»، إلى جانب ظهورها فى إعلان رمضانى حاولت من خلاله أن تثبت للعالم أن الفن يمكن أن يكون رسالة من الأمل والتفاؤل، فلم يكن مجرد إعلان تجارى بل كان إعلان انتصارها على كل المعوقات التى واجهتها، والتأكيد أن شيريهان هى استثناء، فما يميز شيريهان عن غيرها ليس فقط الموهبة، بل قدرتها على لمس أرواح الجمهور بمزيج من البساطة والرُقى. لم تكن مجرد ممثلة أو فنانة، بل هى أيضا رمز للأناقة والأنوثة التى تُعبر عن جيل بأكمله، فحتى فى غيابها عن الأضواء فترات طويلة ظلت شيريهان حاضرة فى القلوب، وحتى اليوم تُلهم أجيالًا جديدة بقصتها؛ قصة المرأة التى جمعت بين الفن والقوة، بين الحلم والواقع، فهى ليست مجرد اسم فى صفحات التاريخ الفنى، بل هى رسالة للحياة والفرح والإصرار على مواصلة الرحلة مهما كانت الصعوبات.