01 مارس 2025, 12:03 مساءً
تصدرت شوارع غزة قبل سنوات صخب الفرح مع اقتراب رمضان؛ أضواء ملونة تتراقص في الأفق، وأصوات التكبير تملأ المساجد، وروائح الطعام الشهي تعانق الأحياء. اليوم، في الأول من مارس 2025، تروي الأنقاض حكاية مختلفة. حرب استمرت 15 شهرًا تركت جرحًا عميقًا في قلب المدينة وأهلها، حيث يستقبل الفلسطينيون شهر الصيام المقدس بقلوب مثقلة بالحزن، وعيون ترقب أملاً بعيدًا وسط الخراب. مشهد الزينة الشاحبة على مبانٍ مهدمة يختصر المفارقة : بين ذكريات الماضي السعيد وواقع الحاضر القاسي، يبحث سكان غزة عن معنى جديد لرمضان.
ذكريات مفقودة
رمضان في غزة كان يعني التجمعات العائلية، والشوارع النابضة بالحياة، والمصابيح التي تضيء الليالي. لكن الحرب التي اندلعت بعد هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، قلب كل شيء رأسًا على عقب. استجابةً لذلك، شنت إسرائيل حملة عسكرية مدمرة حولت أحياء غزة إلى ركام، وأزهقت أرواح الآلاف، تاركةً خلفها شعبًا يصارع من أجل البقاء. اليوم، يبدأ الصيام النهاري في ظل ظروف قاسية، حيث يرى الكثيرون أن الاحتفال أصبح ترفًا لا مكان له وسط الألم، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
حياة الخيام
ميساء عرفات، 29 عامًا، تجسد هذا الواقع المرير. فقدت أخاها في الحرب، وتعيش الآن مع أقاربها في خيمة مؤقتة بينما تحاول استعادة ما تبقى من منزلها المدمر في شمال غزة. تقول وهي تتجول في أسواق المدينة : "أتمنى عودة أخي، فهو الوحيد القادر على إعادة روح رمضان كما كانت". كلماتها تلخص شعورًا عامًا بين السكان، حيث أصبحت العطلة مرآة تعكس الخسائر الشخصية والجماعية، وليست مناسبة للفرح. بين الأنقاض، تحاول عائلات مثل عائلة ميساء بناء غرفة صغيرة للعيش، لكن الأمل يظل هشًا كالخيام التي يسكنونها.
ومع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في منتصف يناير 2025، بدأت شاحنات المساعدات تدخل غزة يوميًا، محمّلة بالطعام والإمدادات. هذا التحسن خفف من حدة الجوع الذي عاناه السكان خلال أشهر الحرب، حين كان كيس الدقيق قد يصل سعره إلى مئات الدولارات. عبد الحليم عوض، صاحب مخبز في وسط غزة، يلاحظ انخفاض الأسعار وانتعاشًا طفيفًا في حركة التسوق لتحضير وجبات الإفطار الجماعية. لكنه يضيف بحسرة : "الناس تشتري فقط ما تحتاج إليه، لا أكثر". التحسن الاقتصادي لم يمحُ آثار الدمار، والاحتفال لا يزال بعيد المنال.
ووسط هذا الواقع القاتم، تظل غزة تقاوم للحفاظ على بعض مظاهر رمضان. أضواء ملونة تزين مبنى مدمرًا في خان يونس، كرمز للصمود أكثر منه احتفالاً. الحرب قد تنتهي عسكريًا، لكن آثارها النفسية والمادية ستظل تلقي بظلالها على السنوات القادمة. السكان يواجهون تحديًا مزدوجًا : إعادة بناء منازلهم، واستعادة معنى الحياة الذي سلبته الحرب. فهل سيتمكن أهل غزة من إحياء روح رمضان مجددًا، أم أن الأنقاض ستبقى شاهدة على فقدان أعمق من مجرد الحجارة؟