10 فبراير 2025, 3:40 مساءً
في خضم التقلبات الجيوسياسية، التي تعصف بأوروبا الشرقية، برز موقف روسيا كتصريح حاسم يعبّر عن رؤيتها لإحلال السلام في أوكرانيا. فقد أكّد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف خلال مؤتمر صحفي استثنائي أن تحقيق تسوية دائمة للصراع لن يكون ممكنًا إلا إذا تمت مراعاة كافة الشروط، التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين. تلك المطالب، التي تتعدى كونها مطالب سياسية فحسب، تنمّي أبعادًا أمنية وجيوسياسية تهدف إلى إعادة رسم ملامح النظام الدولي وتحديد معالم الاستقرار الإقليمي.
شروط السلام
تُركز الشروط التي أعلن عنها بوتين على ضمان عدم توسع التحالفات العسكرية الغربية، إذ طالبت الشروط بضرورة تخلي أوكرانيا عن طموحاتها للانضمام إلى حلف الناتو، بالإضافة إلى سحب القوات الأوكرانية من جميع الأراضي الأربع التي تطالب بها روسيا وتسيطر عليها بشكلٍ رئيسي. ويُبرز هذا المطلب أهمية "الواقع على الأرض" كمعيار أساسي في أي مفاوضات مستقبلية، ما يجعل من التسوية خطوة محفوفة بالتحديات، خصوصًا في ظل تعقيد الوضع الأمني والاقتصادي الراهن.
ويُشير التصريح الروسي إلى أن أي مفاوضات مستقبلية بشأن أوكرانيا يجب أن تُعالج جذور الصراع، وليس مجرد إبرام هدنة مؤقتة. فحسب تصريحات سيرغي ريابكوف، فإن إمدادات الولايات المتحدة للأسلحة الحديثة التي تُقدم لأوكرانيا قد أسهمت في تعميق الانقسامات، مما جعل من دور الغرب طرفًا فاعلًا في النزاع. وقد اعتبر المسؤولون الروس أن هذا التدخل يعزز من تعقيد معادلة السلام، إذ تعتبر هذه الدعمات تجسيدًا لتورط القوى الغربية في الشؤون الإقليمية، مما يتطلب إعادة تقييم شامل لمصالح جميع الأطراف المعنية.
الواقع الميداني
وشدّد المتحدث على ضرورة اعتبار الواقع الميداني محورًا رئيسيًا في أي محادثات لإنهاء الصراع، مشيرًا إلى أن تجاهل التحولات التي طرأت على ملامح الصراع سيؤدي حتمًا إلى فشل أية مبادرات تسوية. إذ إن أي إنذارات أو مطالب نهائية تصدر عن موسكو دون أن تراعَ الظروف الميدانية لن تجد قبولًا لدى الأطراف الأخرى، ما قد يؤدي إلى تأجيج التوترات وتعميق الانقسام بين روسيا وأوروبا.
وترتكز شروط بوتين على إعادة ترتيب أولويات الأمن القومي الروسي، حيث تُعدّ مطالبة أوكرانيا بالتخلي عن الانضمام إلى الناتو خطوة جوهرية في هذه الاستراتيجية. وتُبرز هذه الشروط رغبة موسكو في إعادة فرض هيمنة النظام الأمني الذي يضمن لها مساحة حرة من النفوذ في المنطقة. كما يسلّط الضوء على أهمية سحب القوات الأوكرانية من المناطق التي تعتبرها روسيا جزءًا من حدودها التاريخية، مما يعكس سعي الكرملين إلى استعادة السيطرة على المشهد الإقليمي وإرساء مبدأ "أرض الواقع" كشرط أساسي للتفاوض.
تعقد التسوية
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المطالب ليست مجرد شروط عسكرية فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب سياسية واقتصادية حساسة، إذ إن تلبية هذه الشروط ستعيد تعريف معادلة القوى في المنطقة. هذا التوجه يظهر بوضوح أن موسكو ليست على استعداد لتقديم تنازلات قد تُضعف من موقعها الاستراتيجي، مما يجعل من أي تسوية مستقبلية أمرًا معقدًا يستدعي توازنًا دقيقًا بين مصالح الأطراف المتنازعة.
وأثارت هذه التصريحات ردود فعل متباينة على الصعيد الدولي؛ إذ يرى بعض المراقبين أن الشروط الروسية قد تشكّل حجر عثرة أمام أي مساعي لإحلال السلام في أوكرانيا، خاصة في ظل الدعم الغربي الواسع الذي تتلقاه كييف. ورغم هذا، أشار سيرغي ريابكوف إلى أن تسوية الصراع ستتحقق بشكل أسرع حال أدرك الغرب ضرورة تلبية شروط بوتين، مما يفتح باب الحوار على أسس جديدة توازن بين مصالح الأطراف المختلفة.
آفاق الحوار
وأثار دعم إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اهتمامًا واسعًا، حيث تم الإشادة بالنهج الذي اتبعه في فتح قنوات الاتصال مع موسكو، مما أثار آمالًا بوجود فرص للتوصل إلى حلول وسط تُعالج جذور النزاع. هذا التباين في المواقف يسلّط الضوء على التعقيد الذي يكتنف معادلة الصراع، إذ إن إيجاد حل يتطلب تنازلات متبادلة تأخذ بعين الاعتبار التاريخ السياسي والأمني للمنطقة.
وفي ختام المطاف، يبقى مستقبل المفاوضات معلّقًا على مدى استعداد الأطراف المعنية لتجاوز الخلافات الأصولية وتبني رؤية مشتركة ترتكز على أسس من المساواة والواقعية. وقد أكد المسؤولون الروس استعداد موسكو للحوار مع كييف، شريطة أن يتم استيفاء الشروط التي يؤكد عليها بوتين، مما يعكس رغبته في إعادة ترتيب ميزان القوى بما يخدم مصالحها الأمنية والاستراتيجية.
وهذه الخطوة قد تكون نقطة تحول حاسمة في معادلة الصراع، إذ ستضع السلطات الغربية وأوكرانيا أمام تحدٍ حقيقي لإعادة النظر في مواقفها وتبني سياسات جديدة تراعي الواقع الميداني والتطلعات الإقليمية. هل ستتحول هذه الشروط إلى جسر للتفاهم يفتح آفاق السلام أم أنها ستظل عقبة تحول دون إنهاء النزاع؟