09 فبراير 2025, 3:17 مساءً
تشهد المنطقة تحولًا مفاجئًا في معالم الصراع الدائر في غزة، إذ أكملت قوات الاحتلال الإسرائيلية اليوم (الأحد) انسحابها الكامل من ممر نتساريم، الممر الاستراتيجي الذي يمتد على طول ستة كيلومترات ويفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه. وتندرج هذه الخطوة ضمن إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع مع حركة حماس، وقد تم تنفيذها بعد توترات طويلة أدت إلى تفاقم الانقسامات داخل القطاع. وكان ممر نتساريم منذ البداية جزءًا من خطة "الأصابع الخمسة" التي طرحها رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أرييل شارون، حيث استُخدم لاحقًا كأداة لتقسيم الأراضي وفرض السيطرة العسكرية على الشعب الفلسطيني. ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023، شهد الممر وجودًا عسكريًا مكثفًا للقوات الإسرائيلية التي استخدمته كمنطلق لعملياتها العسكرية، مما أثر سلبًا على حركة التنقل والحياة اليومية لسكان غزة.
حرية العبور
في ظل هذه الظروف، أدى الانسحاب إلى إعادة فتح الممر أمام الفلسطينيين، إذ أصبح بإمكانهم الآن عبور المنطقة بحرية، سواء سيرًا على الأقدام أو باستخدام المركبات. وقد انتظر العديد من المواطنين هذه اللحظة بفارغ الصبر، حيث تعرّض البعض للانتظار لفترات طويلة عند نقاط التفتيش التي تُدار بواسطة مسؤولين من الجهات المصرية والقطرية. وتبرز هذه الخطوة أهمية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي يتضمن تبادل الأسرى وإجراءات لتخفيف وطأة الاحتلال على المواطنين، ما يعكس تحولًا نوعيًا في سياسات القوى الفاعلة في المنطقة. وفي الوقت نفسه، أشارت بعض الأصوات الإسرائيلية إلى تحفظات متعلقة بالمرحلة التالية من الاتفاق، إذ يظل مستقبل المفاوضات محل تساؤل بعد هذه الخطوة التاريخية.
وتأثرت الحياة اليومية في غزة بشكل ملموس بعودة حركة التنقل بعد فترة من الانقطاع القسري. فقد أتاح الانسحاب للفلسطينيين استعادة الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين ضفتي القطاع، التي طالما فُصلتا بالإجراءات العسكرية والإدارية. عادت الأسر إلى منازلها وتدفّق النازحون، الذين كانوا يعيشون في حالة ترقّب دائم، إلى المناطق التي هجّرتهم الحرب. وفي مشاهد مؤثرة، ظهر بعض المواطنين وهم يجلسون قرب نقاط التفتيش منتظرين فرصة للعبور، وقد عبّر البعض عن ارتياحهم لرؤية الطريق يعود إلى طبيعته بعد شهور من العزلة والحصار. وتُعدّ هذه اللحظات بمثابة بصيص أمل في ظل ظروف عصيبة، حيث يسعى الجميع لاستعادة الحياة التي فقدوها نتيجة للتوترات المستمرة، وفقًا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
مستقبل المفاوضات
وعلى الصعيد الرمزي، اعتبرت حركة حماس انسحاب القوات الإسرائيلية من نتساريم دليلًا قاطعًا على فشل الاستراتيجية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية. إذ أُفرج عن رهائن محتجزين في إطار تبادل أسرى بين الجانبين، مما أضاف بُعدًا إنسانيًا هامًا لهذه العملية العسكرية. كما لعبت الأطراف الدولية دورًا رئيسيًا في التوسط، حيث كانت قطر ومصر والولايات المتحدة من بين الجهات التي سعت لتسهيل تنفيذ الاتفاق. وقد لاقت هذه الخطوة ترحيبًا واسعًا من قبل المجتمع الدولي، الذي يرى فيها بداية مرحلة جديدة من الانفراج في الصراع المتأصل، وإن كانت المخاوف بشأن استمرارية العملية السياسية والمفاوضات المستقبلية لا تزال قائمة.
ويمثل انسحاب إسرائيل من ممر نتساريم نقطة تحول استراتيجية قد تكون فاتحة لباب جديد في مسار وقف إطلاق النار، إلا أن الطريق إلى تحقيق سلام دائم لا يخلو من التحديات. ففي الوقت الذي تُشرف فيه حركة حماس على إعلان انسحاب الاحتلال باعتباره انتصارًا لإرادة الشعب الفلسطيني، يبقى مستقبل المرحلة الثانية من الاتفاق محاطًا بالشكوك والتحفظات. فقد أُرسل وفد إسرائيلي إلى الدوحة لمناقشة التفاصيل الفنية للمفاوضات المقبلة، فيما أعرب بعض المسؤولين داخل الحكومة الإسرائيلية عن تخوفهم من المراحل القادمة، معتبرين أن الانسحاب الحالي قد يكون مجرد خطوة أولية لا تكفل إنهاء الصراع بشكل نهائي. كما أدت تبادلات الأسرى إلى تصاعد الحماس داخل الأوساط الشعبية، وهو ما يبرز مدى حساسية الموقف السياسي في كلا الجانبين.
مؤشر إيجابي
تأمل الأطراف المختلفة في أن يُسهم هذا التحول العسكري في إعادة رسم خريطة العلاقات داخل غزة، وإرساء أسس جديدة للحوار من أجل إنهاء الصراع الطويل الأمد. ورغم التوترات القائمة، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها مؤشر إيجابي على قدرة الأطراف على اتخاذ قرارات عملية تتماشى مع مطالب الشعوب وتطلعاتها إلى حياة كريمة. وتبقى تساؤلات عدة حول مدى قدرة المفاوضات المقبلة على تحويل هذه الخطوة إلى حقيقة ملموسة تضمن الاستقرار وإحلال السلام في المنطقة.
فهل ستتبلور إرادة الأطراف في تحويل هذه اللحظة التاريخية إلى بداية حقيقية لحياة أفضل ومستقبل أكثر أمانًا لسكان غزة؟