04 فبراير 2025, 8:06 صباحاً
من قلب صراع السياسات الأمريكية، تشهد ولاية كاليفورنيا خطوة غير تقليدية في مواجهة التحديات، التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب؛ خطوة جمعت بين الدفاع عن المبادئ التقدمية، وتقديم دعم حقيقي للفئات المتضررة. ففي وقتٍ تتصاعد فيه التوترات بين السياسات الفيدرالية والمحلية، قررت الجمعية التشريعية التي يهيمن عليها الديمقراطيون تخصيص 50 مليون دولار؛ لمواجهة ما وصفوه بأنه تهديد حقيقي لحقوق المواطنين والحريات الدستورية؛ ما دفع الكثير من المهتمين بالشأن السياسي إلى متابعة التطورات بترقب شديد.
تآكل الحقوق الأساسية
وفي قرارٍ مثير للجدل، خصصت الجمعية 25 مليون دولار لوزارة العدل في الولاية بهدف تمويل المعارك القانونية ضدّ الحكومة الفيدرالية، فيما خصّصت الأموال الباقية للغرض نفسه لمصلحة المجموعات القانونية المتخصّصة في الدفاع عن المهاجرين، الذين يواجهون خطر الترحيل. وجاء هذا التمويل في إطار سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المحلية للدفاع عن السياسات التقدمية، معتبرة أن التدخُّل الفيدرالي قد يتسبّب في تآكل الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المواطنون في كاليفورنيا. وتمّت الموافقة على المقترحات بأصوات حزبية بعد تأجيل التصويت الذي كان من المتوقع حدوثه الأسبوع الماضي، مما يضيف بُعداً سياسياً واضحاً لهذا القرار.
وتعكس المقترحات الاختلاف الحاد بين صفوف الديمقراطيين والجمهوريين؛ إذ وصف رئيس الجمعية الديمقراطية روبرت ريفاس؛ إدارة ترامب؛ بأنها "خارجة عن السيطرة"، وعدّها تهديداً مباشراً للحقوق الدستورية، معرباً عن عدم ثقته بالرئيس دونالد ترامب.
وعلى الجانب الآخر، انتقد زعيم الجمهوريين جيمس غالاغر؛ الخطة، معتبراً إياها حيلة سياسية تستنزف الوقت وتبعد التركيز عن قضايا حيوية، مثل حرائق الغابات وارتفاع تكاليف المعيشة في الولاية. وقد كان النقاش حاداً ومشحوناً بالتوتر، مما أبرز الانقسام العميق في الرؤية والسياسات بين الحزبين.
جدية المواجهة
وأظهر المشرّعون الديمقراطيون حرصهم على حماية العائلات وضمان أن تكون حكومتهم متيقظة لأي تغييرات على الصعيد الفيدرالي، إذ أكّد عضو الجمعية الديمقراطية ريك تشافيز زبور؛ أن التمويل الجديد يهدف إلى التأكّد من أن سياسات الحكومة الفيدرالية لن تؤثر سلباً في حقوق المواطنين بكاليفورنيا. وفي ظل هذا السياق، دعا الحاكم الديمقراطي جافين نيوسوم؛ المشرعين، إلى عقد جلسة خاصّة في نوفمبر لتمرير المقترحات، مما يعكس جدية الإدارة في مواجهة المخاطر المتزايدة مع عودة ترامب إلى مناصبه السياسية.
واستفادت كاليفورنيا من الفرصة لتوسيع نطاق جلساتها التشريعية بعد اندلاع حرائق مدمّرة في مناطق لوس أنجلوس في يناير الماضي، حيث تمّت إضافة بند خاص بتمويل إغاثة الحرائق ضمن الحزمة التشريعية. وشملت الحزمة، التي بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار، تدابير عملية للرد على الكوارث؛ إذ خصّصت الأموال لعمليات الإخلاء، وتوفير الملاجئ للناجين، وتنظيم إزالة النفايات المنزلية الخطرة، إضافة إلى دعم الحكومات المحلية بإعطاء تسهيلات للموافقات على إعادة بناء المنازل. كما تضمن القانون مبلغاً لدعم إعادة بناء المرافق التعليمية، في ظل الحاجة المُلحة لتجديد البنية التحتية بعد الكوارث الطبيعية.
معالجة التحديات
ورحّب حاكم ولاية كاليفورنيا جيفين نيوسوم؛ بحضور ترامب في لوس أنجلوس خلال تفقده الدمار الذي خلفته الحرائق، وهو اللقاء الذي حمل نبرة سياسية موحّدة رغم الخلافات الواضحة في وجهات النظر.
وأشار ترامب في تلك المناسبة إلى إمكانية سحب المساعدة الفيدرالية، إذ أكّد ضرورة تعديل السياسات المائية للولاية؛ ما أثار ردود فعل عنيفة من الجمهوريين في الكونغرس الذين يمثلون كاليفورنيا. وشكّك بعض أعضاء الحزب الجمهوري في جدوى التمويل الجديد، معتبرين أن التركيز على قضايا، مثل الدفاع عن الحقوق، قد يأتي على حساب معالجة التحديات العملية المُلحة في الولاية.
وأعرب أعضاءٌ من صفوف الجمهوريين، مثل بيل إساييلي؛ الذي يمثل منطقة إمبايرلاند في جنوب كاليفورنيا، عن استيائهم من ضخ مبالغ كبيرة لتمويل الدعاوى القضائية؛ إذ وصفوا هذا التوجّه، بأنه "أصم بشكلٍ لا يُصدق".
وجادل الجمهوريون بأن التمويل كان مبكراً، مستندين إلى أن المقترحات كُشفت قبل عودة ترامب إلى مناصبه، مما يزيد من حدّة الجدل حول توقيت اتخاذ مثل هذه القرارات الإستراتيجية. وفي السنوات الماضية، أنفقت الولاية مبالغ ضخمة تتجاوز 42 مليون دولار في المعارك القانونية ضدّ الإدارة الفيدرالية، وهو ما يعكس حجم الصراع السياسي بين السياسات المحلية والفدرالية.
وتختتم كاليفورنيا هذا الفصل الحاسم بدعمٍ من الديمقراطيين الذين يرون في هذه المبادرة أداة فعّالة لحماية العائلات من سياسات الترحيل الجماعي التي قد تهدّد استقرار المجتمع، خاصة مع تقديرات مركز بيو للأبحاث التي أشارت إلى وجود نحو 1.8 مليون مهاجر غير شرعي في الولاية عام 2022. فهل ستثبت هذه الخطوة جدواها في وجه التحديات المُقبلة وتُعيد صياغة معادلة السلطة بين الحكومة الفيدرالية والولايات؟