01 فبراير 2025, 4:34 مساءً
الأمن الغذائي ركيزة مهمة حرصت عليها الدولة وقيادتها حفظهم الله، ونحن -ولله الحمد- ننعم بهذا الحرص حيث حققت المملكة العربية السعودية قفزات كبيرة في هذا الشأن، حتى وصلنا في الاكتفاء في بعض الحاجيات الغذائية وقريب من الاكتفاء في البعض الآخر. لن نتوقف عند ذلك، بل أن مواكبة المتغيرات والتزايد في الطلب أمر مهم ويتطلب جهود مضاعفة.
أحد أهم الملاحظات للمتابع في هذا الشأن هو القفزات التي عملتها جهات مختلفة وشركات مختلفة، ولعلي أذكر من أهمها أعمال قامت بها الشركة الوطنية للتنمية الزراعية "نادك" والتي رفعت رأس مالها مؤخرا بضعفين. وتُعد هذه خطوة مهمة في سبيل تحولها إلى شركة غذائية متكاملة، تسهم بفعالية في تحقيق استراتيجية الامن الغذائي الوطني وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق نمو مستدام من خلال تنويع مصادر الإيرادات عبر تعزيز موقعها الريادي في أنشطتها الإنتاجية القائمة والدخول في أنشطة جديدة. أكتب في هذا المقال قراءة لرحلة "نادك".
قبل اليوم، وعلى مدى أربعة عقود، كانت "نادك" شاهدة ومساهمة رئيسية في رحلة السعودية لتحقيق الاكتفاء الغذائي وتعزيز موقعها كدولة رائدة في قطاع الزراعة والإنتاج الغذائي، وربما تحويل المملكة إلى مصدّر رئيسي للغذاء أو لبعض من السلة الغذائية ومنتجات متنوعة تشمل الألبان والعصائر والخضروات واللحوم. وعلى مدار تلك العقود نجحت "نادك" في تأكيد دورها المحوري في الإنتاج الغذائي كركيزة استراتيجية لرؤية السعودية 2030، وأن تصبح نموذجا يُحتذى في الابتكار والاستدامة والنمو.
وفي تقديري لا يمكن الحديث عن "نادك" منذ تأسيسها عام 1981، دون الحديث عن جهودها الكبيرة عبر السنوات في توفير بنية تحتية قوية وموارد بشرية مؤهلة لإحداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي، والتي ساهمت بشكل كبير فيما وصلت إليه اليوم.
ومع تطور الأسواق وزيادة المنافسة الإقليمية، وجدت "نادك" نفسها أمام واقع يتطلب استثمارا في التكنولوجيا الزراعية الحديثة ورفع مستوى التنافسية لتلبية احتياجات السوق السعودي الذي يشهد تطورا سريعا في الذائقة الغذائية وأنماط الاستهلاك.
ورغم ذلك، اجتازت "نادك" تلك التحديات لتصبح رمزا لما يمكن تحقيقه حين تتلاقى الرؤية الطموحة مع العمل المنهجي، ويمكن استعراض مواطن قوتها في عدة أبعاد رئيسية، حيث تمكنت الشركة من التفوق في بيئة صعبة، وتحويل الأراضي القاحلة إلى واحات إنتاجية، معتمدة على الابتكار في أساليب الري والزراعة. ولم يكن ذلك إنجازا بسيطا، بل ثمرة لجهود طويلة في البحث والتطوير، واستثمارا في تقنيات الزراعة الذكية التي تجعلها قادرة على التوسع مع تقليل التأثير البيئي السلبي.
والحقيقة أن "نادك" نجحت بعد كل هذا الجهد، في أن تصبح لاعبا رئيسيا في تقليل الاعتماد على الواردات الغذائية، من خلال توفير منتجات متنوعة تشمل الألبان والعصائر والخضروات واللحوم بجودة عالمية وبأسعار تنافسية، ويُعزز هذا الإنجاز من قوة المملكة في مواجهة التحديات العالمية، مثل الأزمات الغذائية الناجمة عن تغير المناخ أو الاضطرابات الجيوسياسية.
ومع هذا الإعلان في هذا الوقت الذي تواجه فيه الشركات تحديات متزايدة لدخول أسواق إقليمية وعالمية، إلا أن "نادك" نجحت أيضا في توسيع وجودها في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، بفضل قدرتها على تقديم منتجات عالية الجودة تلبي احتياجات المستهلكين، ويعكس هذا الحضور الإقليمي قدرة المملكة على أن تكون مصدرا رئيسيا للغذاء في المنطقة.
ومن اللافت للنظر، ونحن نعيش في حقبة زمنية تتزايد فيها الضغوط البيئية، فقد أثبتت "نادك" أن الاستدامة ضرورة استراتيجية، وتبلور ذلك من خلال مشاريعها في الزراعة العضوية واستخدام الطاقة النظيفة في الإنتاج، لذلك، أستطيع القول: إنها ليست شركة تجارية أو اقتصادية، بل تصل لتُصبح شريكا فاعلا في تحقيق التنمية المستدامة للمملكة.
خلاصة القول أن تجربة "نادك" تلخص كيف يمكن تحويل التحديات إلى فرص، وكيف يمكن للقطاع الخاص أن يكون شريكا فاعلا في تحقيق الأهداف الوطنية، ومن ذلك: أن الإنجازات الكبرى لا تتحقق بالخطط قصيرة الأجل، بل يأتي من رؤية استراتيجية تنظر إلى الزراعة والغذاء كركيزة للتنمية المستدامة، وأيضا تتطلب التحولات في أسواق الغذاء مرونة وقدرة على الابتكار، وهو ما جعلها قادرة على تقديم منتجات مواكبة لاحتياجات العصر.
وأما نجاحها فيكمن في تكاملها مع رؤية السعودية 2030، وكيف يمكن لمؤسسة وطنية أن تصبح جزءا لا يتجزأ من رؤية كبرى تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز مكانة المملكة عالميا.