الجمعة 31 يناير 2025 08:43 صباحاً
الحلم هو الشرارة الأولى لكل إنجاز، وهو الضوء الذي يشق ظلام العادي والمألوف، يحرك القلوب الطامحة والعقول المتوثبة، لكنه في الوقت ذاته قد يكون وهمًا زائفًا إذا لم يزِن المرء خطاه بين الحلم والإمكان.. فمتى يكون الحلم وقودًا للنجاح، ومتى يكون عبئًا يسحب صاحبه إلى هاوية الخيبة؟
قد يقف الإنسان على ضفة الطموح، ناظرًا إلى الضفة الأخرى حيث المجد والعظمة، لكنه ينسى أن بينهما نهرًا عميقًا يحتاج إلى قارب متين ليعبره.. كثيرون غرقوا لأنهم قفزوا في النهر دون أن يتعلموا السباحة، وآخرون ظلوا واقفين على الضفة مكتفين بالنظر، فحُرموا حتى من المحاولة.. إن الحلم بلا تخطيط كأشرعة بلا ريح، وكطائر يحاول الطيران بجناح مكسور.
إنه لمن السذاجة أن يضع المرء نفسه في مضمار سباق لا يمتلك له عُدة، متجاهلًا إمكانياته وظروفه، معتقدًا أن الرغبة وحدها كافية لعبور المستحيل.. هنا يتحول الحلم إلى خدعة، والوهم إلى قيد يسلب الإنسان راحته، فيبقى أسيرًا بين نار التمني ومرارة العجز.
وأرى اليوم أحلام جماهير الزمالك لا تزال تحلق في السماء، لكن واقع النادي يسحبها إلى الأرض بقوة، إذ لا الوضع المالي يسمح ببناء فريقٍ قادر على المنافسة، ولا تحركات مجلس الإدارة المنتخب تعكس طموح المدرجات التي تنتظر المعجزات، فيما يبقى الهجوم الجماهيري، رغم شدته، بلا تأثير فعلي إن لم يصاحبه تغيير حقيقي في آليات الإدارة واتخاذ القرار.. بين الحلم والواقع فجوة تتسع، وبين الأمل والغضب تتأرجح جماهير تبحث عن نادٍ يعكس تاريخه، لا أن يكون مجرد ذكرى لأمجاد مضت.
الاعتراف بالواقع.. فضيلة لا استسلام
ومن وجهة نظري، أن تعترف بحدود إمكانياتك لا يعني أن تتخلى عن طموحك، بل يعني أن تفهم أدواتك وتحسن استخدامها.. ليست كل الأبواب تُفتح بالقوة، أحيانًا تحتاج إلى المفتاح الصحيح! والقفز فوق الواقع بلا حساب قد يكون سقوطًا مدويًا لا نهوض بعده.
في النهاية، الواقعية ليست قتلًا للأحلام، بل هي غربلة لها، تمييز بين الحلم القابل للتحقيق والوهم الذي لا طائل منه.. فالناجحون هم أولئك الذين عرفوا كيف يمدون جسورًا بين الحلم والواقع، فلم يكونوا عبيدًا لأحلام غير قابلة للتحقيق، ولم يكونوا أسرى للخوف من الطموح.
قبل أن تغامر، اسأل نفسك هل هذا الحلم يستحق أن أرهق ذاتي لأجله؟ وهل لدي العزيمة والإمكانات لبلوغه؟ وإن لم أملكها الآن، هل أستطيع أن أكتسبها؟ إن كانت الإجابة نعم، فانطلق ولا تخف.. وإن كانت لا، فابحث عن حلم آخر أكثر واقعية، فأحيانًا يكون إدراك حدودنا أعظم إنجاز نحققه.