الأحد 8 ديسمبر 2024 02:33 مساءً
الأحد 08/ديسمبر/2024 - 02:26 م 12/8/2024 2:26:39 PM
مع اقتراب عام 2025، يتصاعد النقاش بين الخبراء وصناع السياسات حول استراتيجيات الصمود الاقتصادي في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد العالمي. فمع نهاية عام 2024، تباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى حوالي 2.4%، وهي أدنى نسبة تُسجل منذ عقود، ويعكس الانكماش الملحوظ في الأنشطة الاقتصادية وزيادة في هشاشة الاقتصاديات الوطنية، خاصة في الدول النامية التي لم تحقق سوى نمو قدره 3.9%. تضع هذه المؤشرات في مجملها تحديات ضخمة أمام الحكومات للتعامل مع التغيرات المتسارعة.
وتشير التقارير إلى أن الدول ذات الدخل المنخفض كانت الأكثر تأثراً في عام 2024، إذ انخفضت معدلات نموها إلى 5.5%، مقابل توقعات أكثر إيجابية سابقة. ووفقًا للبنك الدولي، تسببت الأزمات المتلاحقة، بدءاً من الجائحة ووصولاً إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية، في تدهور الظروف المعيشية لنحو 70 مليون شخص. هذه التحولات فاقمت من الفجوة والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والفقر والتهميش، ووضع مستقبل العديد من الدول على المحك.
وتواجه الدول النامية صعوبة بالغة في مواجهة الأزمات المالية والاجتماعية المتنامية، على الرغم من تبنيها لسياسات اقتصادية أكثر شموليةً وتوجيهاً نحو تطوير الموارد البشرية والبنية التحتية. ولكن الإشكالية تكمن في النسبة الضئيلة من المخصصات الحكومية لهذه الاستراتيجيات. التقارير الاقتصادية تنوه إلى أن زيادة الإنفاق على القطاعات الأساسية كالتعليم والصحة لا يجب أن يقل عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق انتعاش اقتصادي بإمكانه تحسين مستويات المعيشة وتدعيم قدرة الدول على مقاومة الصدمات الاقتصادية.
وما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية هي الاضطرابات الجيوسياسية، حيث لم تعد الصراعات تقتصر على تعطيل طرق التجارة فقط، بل غدت تمتد لزعزعة استقرار الأسواق ورفع أسعار السلع الأساسية مثل الطاقة والغذاء. ويُقدّر صندوق النقد الدولي أن التوترات الأخيرة تسببت في رفع أسعار السلع الأساسية بنسبة تتراوح بين 15% و25%، وشكل ذلك ضغطاً إضافياً على الدول الهشة اقتصادياً، مع تراجع القدرة الشرائية وتزايد تكاليف المعيشة في الدول النامية ومعاناة الأسر التي تكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية.
تؤكد هذه المعطيات على ضرورة إيجاد أرضية جديدة للتعاون التجاري والتكامل الاقتصادي بين الدول لتجاوز الأزمات الاقتصادية العالمية. هذه الأرضية يجب أن توفر منحى جديد، كتخفيض الحواجز التجارية وتشجيع الشراكات الاقتصادية لتنفيذ مشاريع مُشتركة وتحقيق منافع متبادلة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. تُشير تقديرات التقارير العالمية إلى أن خفض الرسوم الجمركية بنسبة 10% يمكن أن يدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية بنسبة تصل إلى 1.5%. هذا النوع من الاستراتيجيات قد يكون خطوة مُهمة نحو تدعيم القدرات الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة في الأسواق الوطنية. وفي ذات السياق، لا بد أن تعمل الدول على تأمين وحماية أسواقها المحلية بالتوازي مع تسهيل حركة السلع والخدمات عبر الحدود لتقليل تأثير التوترات العالمية على الاقتصاد المحلي.
ومن المهم أن نعي بأنه لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام دون الاستثمار في الرقمنة وتطوير البنية التحتية التكنولوجية. التحول الرقمي هو ضرورة مُلحّة في مواجهة التغيرات الاقتصادية السريعة. تؤكد الدراسات على أن الدول التي تستثمر في الرقمنة يمكنها تحقيق معدلات نمو تصل إلى 2% أعلى من نظيراتها. هذا الاستثمار ينمي قدرة الاقتصادات الوطنية على الصمود أمام الصدمات ويمنحها ميزة تنافسية على الصعيد العالمي، ويتيح للأفراد والمؤسسات فرصاً جديدة للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية.
في ختام هذا التحليل المُوجز، يتضح أن الاقتصاد العالمي سيستمر في مواجهة تحديات غير مسبوقة، وهو ما يتطلب من صناع القرار تبني استراتيجيات تجمع بين السياسات والتدابير الطارئة والرؤية الاستراتيجية للمبادرات الهيكلية طويلة الأمد. هذه الرؤية يجب أن ترتكز على تحقيق توازن دقيق بين السياسات القصيرة الأجل التي تهدف لتخفيف الأزمات الحالية، وبين المبادرات الهيكلية التي تسعى لتأسيس اقتصاد أكثر استدامة ومرونة. هذا التوازن سيكون حجر الزاوية لبناء مقومات الصمود الاقتصادي، وإرساء قواعد اقتصادية جديدة تعزز من قدرة الدول على مواجهة التحديات العالمية المتسارعة.