الخميس 19 ديسمبر 2024 08:07 مساءً
ننشر نص كلمة أحمد أبو الغيط
الأمين العام لجامعة الدول العربية في
الجلسة الخاصة بغزة ولبنان قمة منظمة الدول الثمانية للتعاون الاقتصادي.
وكانت نص الكلمة كما يلي:
فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي
رئيس جمهورية مصر العربية
رؤساء دول وحكومات مجموعة الثماني
السيدات والسادة،
تعيش المنطقة العربية لحظة قد تكون هي الأخطر في تاريخها الحديث.. ولا يخفي علينا جميعًا قدر تعقد الأزمات التي تواجهها، وتشابكها وتسارع انفجارها.
لقد أثبتت أحداث العام المنصرم، بكل مصاعبها وآلامها، أن بقاء الأزمات من دون حل.. أو تجميد الصراعات من غير تسوية... هو طريق محفوف بالمخاطر، ولا يوفر سوى أمان خادع، واستقرار هش قابل للانفجار في أي لحظة.
ولا شك أن الصراع الأطول في تاريخ هذه المنطقة هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي... وهو صراعٌ لا يمكن تعريفه سوى بأنه قضية استقلال وطني لشعب يرزح تحت الاحتلال... هكذا نفهم الصراع في العالمين العربي والإسلامي.. بل هكذا تفهمه الأغلبية الكاسحة من دول العالم التي بادرت إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية... وتبنت حل الدولتين كصيغة وحيدة لتسوية الصراع سلميًا على نحو يضمن الأمن للجميع، والسلام للجميع.
ومن الواضح أن دولة الاحتلال هي الطرف الوحيد الذي لا يُريد الاعتراف بهذه الحقيقة.. إذ تتصور إسرائيل أن العدوان الوحشي على المدنيين سيقود إلى استدامة الاحتلال... وأن القوة تجلب السلام والأمن.. وحقيقة الأمر أن هذا محض وهم... وإلا ما رأينا انفجار الأوضاع على نحو ما صار في العام الماضي... وستظل الأوضاع قابلة للانفجار.. وسيظل الأمن هشًا والسلام مفقودًا ما دام لم يُمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره في دولة مستقلة، أسوة بكل شعوب الدنيا التي تخلصت من نير الاحتلال.
إن إسرائيل، في سعيها إلى استدامة الاحتلال، تجلب على المنطقة كلها، بل وعلى العالم بأسره، مخاطر بلا حدود... وقد رأينا كيف اتسعت رقعة الصراعات الإقليمية، واندلعت الحرائق في المنطقة عبر الشهور الماضية.. وشهدنا كيف تنتقل الشرارة من مكان إلى مكانٍ... وكيف تجاوزت تداعيات العدوان على غزة جغرافية فلسطين إلى المشرق العربي، وما وراءه.
إن ثمن الاحتفاظ بالاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية مروّع.. وهو ثمن لا تدفعه المنطقة وحدها، وإنما العالم كله... فضحايا العدوان على غزة ليسوا فقط الفلسطينيين الذين قتل وجُرح منهم مئات الآلاف.. وهُجر ملايين، مرة بعد مرة... وإنما أيضًا القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ومبادئ العدالة.. كانت كلها ضحية لهذا العدوان.. وسيكون لعجز العالم عن التعامل مع استهزاء إسرائيل بكل معاني القانون والإنسانية تبعاتٌ خطيرة على النظام العالمي وقواعده في المستقبل، إذ فقدت هذه المعاني قدسيتها ورمزيتها بعد أن انتُهكت في غزة على مرأى ومشهد من العالم كله.
ما نطالب به اليوم هو وقف فوري للعدوان على غزة.. والبدء فورًا في مرحلة التعافي من هذه المأساة غير المسبوقة من تدميرٍ لمجتمعٍ بأسره.. ببشره ومقدراته ومؤسساته وإمكانيات بقائه... ونثق في أن الدول لإسلامية، ومنها بالتأكيد الدول المشاركة اليوم في قمة منظمة الثماني، ستكون في طليعة الدول التي تقف إلى جوار الفلسطينيين لاستعادة مجتمعهم.. وأؤكد أن كل دعمٍ للفلسطينيين للصمود على أرضهم والبقاء فيها، وصناعة الأمل بديلًا عن اليأس.. هو نوع من التصدي الفعّال للمخطط الإسرائيلي بتصفية القضية والتخلص من الشعب بعد الاستيلاء على الأرض، تحت دعاوى توراتية عنصرية صار لها تمثيل في حكومة الاحتلال وتتحدث بكل تبجح عن احتلال الأرض كلها وزرع المستوطنات فيها وضمها لإسرائيل.. وهو ما لن يكون أبدًا بإذن الله.
السيدات والسادة،
تحتاج لبنان أيضًا كل الدعم في هذه المرحلة الحرجة من أجل التعافي من آثار عدوان غاشم، وإنهاء حالة الشلل السياسي الذي استمر لما يربو على سنتين... إن استمرار وقف إطلاق النار، وتنفيذه على نحو دقيق وشامل، هو الضمانُ لاستقرار الأوضاع، ولاستعادة هذا البلد المنهك لعافيته، وعودة النازحين لبيوتهم.. بما يُعطي الشعب اللبناني فُرصة جديدة للخروج من دائرة اليأس والإفقار والصراع.
ولا شك أن الشعب اللبناني يستحق هذه الفرصة بعد سنوات المعاناة، وهو أيضًا مسئولٌ عن اغتنامها عبر الإسراع بتعزيز استقرار النظام السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية يكون مُمثلًا لكل اللبنانيين، ومُعبرًا عن تطلعاتهم جميعًا لمستقبل أفضل.
إننا نتطلع في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ المنطقة إلى دعم الأصدقاء.. وإلى مساندة حقيقية من المجتمع الدولي.. لتجاوز الآثار الإنسانية الصعبة لعدوان إسرائيل على غزة ولبنان... ونحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إرادة حقيقية لتنفيذ حل الدولتين، وليس مجرد تبينه كشعار أو إعلانه كمطلب.
شكــــــرًا لكـــــم،