في تحليل جديد، يكشف الخبراء عن تزايد العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، مشيرين إلى أن هذه الخطوات قد تُعزى بشكل كبير إلى تنامي مشاعر العداء ضد المسلمين.
تشير التقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية، من خلال توثيق العلاقات مع هذه الأحزاب، تسعى إلى تعزيز موقفها في الساحة الأوروبية، رغم التاريخ الطويل لهذه الأحزاب في تبني توجهات معادية للسامية. ويؤكد الباحثون أن التحالفات الجديدة تكشف عن تحول في بوصلة العنصرية، حيث أصبح المسلمون هدفًا بدلاً من اليهود.
ولفت الكاتب ديفيد كرونين، مؤلف كتاب “تحالف أوروبا مع إسرائيل”، إلى أن “اليمين المتطرف عنصري بطبيعته، والعديد من الأحزاب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا لها جذور نازية. العنصرية التي كانت موجهة ضد اليهود في القرن العشرين غيّرت هدفها وهي اليوم تستهدف المسلمين”.
ومن جهته، أوضح المؤرخ يان ترفورت، الباحث في نفوذ اللوبي الإسرائيلي في أوروبا، أن “إسرائيل، باعتبارها دولة فصل عنصري، تشجع الأحزاب اليمينية المتطرفة على تبني أنظمة مماثلة. الأحزاب اليمينية المتطرفة تريد تأسيس نظام يمنح المسلمين والمهاجرين وضعًا قانونيًا أقل شأنًا. وعندما يقوى اليمين المتطرف، تصبح السياسات المعادية للسامية أكثر انتشارًا”.
تستمر هذه الديناميكيات في قولبة المشهد الاجتماعي والسياسي في أوروبا، حيث يبدو أن مشاعر العداء تجاه المسلمين تزداد تزامناً مع توطيد العلاقات بين إسرائيل وهذه الأحزاب.
وعكست زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إلى بروكسل (عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي) في فبراير/ شباط الماضي، واللقاءات التي جرت في إطار مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، جوهر هذا التقارب.
وفي هذا السياق، تحدثت الأناضول مع المحرر في موقع “ألكترونيك انتفاضة” ديفيد كرونين، ومؤلف كتابي “تحالف أوروبا مع إسرائيل” و”ظل بلفور” المؤرخ المتخصص بدراسة نفوذ اللوبي الإسرائيلي في أوروبا، ويان ترفورت، حول أبعاد تقارب إسرائيل وأحزاب اليمين المتطرف بالقارة العجوز، وأسبابه وانعكاساته.
التقارب المتزايد بين إسرائيل والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا
في تحليل حديث، سلط المحلل كرونين الضوء على تطور العلاقات بين إسرائيل والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة لم تكن جديدة، بل هي نتاج لعوامل سياسية معقدة تتعلق باللوبي المؤيد لإسرائيل.
في تصريحاته، أشار كرونين إلى أن اللوبي الموالي لإسرائيل يتابع بدقة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في مختلف الدول الأوروبية، حيث يبدو أن هذه الأحزاب تعبر عن دعم أقوى لسياسات الاستيطان الإسرائيلية مقارنة بالأحزاب التقليدية. وذكر كرونين أنه بينما يقتصر موقف الأحزاب التقليدية على انتقادات سطحية للاستيطان، تسعى إسرائيل للحصول على دعم غير مشروط من تمديد هذه السياسات، مما يجعلها تفضل التحالف مع اليمين المتطرف.
وأوضح كرونين أن العنصرية تمثل القوة المحركة الرئيسية خلف اليمين المتطرف في أوروبا، وبينما كانت العنصرية موجهة ضد اليهود في القرن العشرين، فقد تغيرت أهدافها اليوم لاستهداف المسلمين بشكل رئيسي. وفي هذا السياق، ذكر كرونين السياسي الهولندي خيرت فيلدرز كنموذج واضح للدعم الذي تقدمه الأحزاب اليمينية المتطرفة لإسرائيل.
قال كرونين: “إن اليمين المتطرف، بحكم طبيعته العنصرية، يسعى للاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، وهو ما يتناقض بشكل واضح مع موقف التقليديين الذين يدينون سياسات الاستيطان”.
تعاون تاريخي مع الأبعاد السياسية: الصهيونية والنازية في الثلاثينات
في تحليل مثير، يتناول المؤرخ كرونين التعاون بين الحركة الصهيونية والنازية الألمانية، موضحًا أن هذا التعاون ليس جديدًا بل يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي. حيث أسس هذا التعاون علاقة غريبة بين الحركتين، مما يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة هذه الانسجامات السياسية المقلقة.
في تفاصيل أكثر، يشير كرونين إلى “اتفاقية النقل” التي أُبرمت لنقل اليهود من ألمانيا إلى فلسطين، مما يعكس نوعًا غير اعتيادي من التعاون بين نظامين متضادين. ويضيف أن الدراسات الحديثة حول سجلات التصويت في البرلمان الأوروبي كشفت عن دعم ملحوظ من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة للسياسات الإسرائيلية، مستشهداً بحزب فوكس الإسباني كمثال على هذا الدعم.
ومع ذلك، فإن كرونين يشير إلى أن المشكلة لا تقتصر على اليمين المتطرف فقط، بل تشمل أيضًا الأحزاب التقليدية التي بدأت تتجه نحو اليمين. حيث يلاحظ أن دعم الاتحاد الأوروبي لإسرائيل قد زاد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما يثير القلق حول كيفية تأثير هذه العلاقات على السياسة الإسرائيلية.
وفي تعليقه على موقف الاتحاد الأوروبي، انتقد كرونين تجاهل الجهود المبذولة لمنع جرائم الإبادة الجماعية، ويؤكد أن “الحكومات ملزمة بعدم تقديم أي دعم للأعمال التي ترقى إلى جرائم إبادة جماعية، لكن الاتحاد الأوروبي يتجاهل هذه الالتزامات تمامًا”.
إسرائيل تعزز علاقاتها مع أحزاب اليمين المتطرف: مؤرخ هولندي يكشف الدوافع السياسية وراء ذلك
تسعى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إلى تعزيز روابطها السياسية مع أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، في محاولة لتعزيز نفوذها ومواجهة التدخلات المحتملة من الدول الأوروبية.
أشار المؤرخ الهولندي يان ترفورت إلى أن هذه العلاقات تتضمن أحزابًا ذات جذور نازية جديدة مثل حزب ديمقراطيو السويد وحزب البديل من أجل ألمانيا والجبهة الوطنية في فرنسا. وأوضح ترفورت أن الدافع وراء هذه التحركات هو “المصالح السياسية قصيرة المدى”، حيث تحتاج إسرائيل إلى دعم سياسي في ظل الأحداث التي تشهدها غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا.
وأشار ترفورت إلى أن هذه الأحزاب تعتمد على المشاعر المعادية للمسلمين والمهاجرين، وهي مشاعر تغذيها إسرائيل وجماعات الضغط الموالية لها في أوروبا. وقال: “إسرائيل تسعى إلى التعاون مع هذه الأحزاب ليس بسبب توافق أيديولوجي، وإنما لأنها تحتاج إلى دعم سياسي في أوروبا”.
كما رجح ترفورت أن الأحزاب اليمينية المتطرفة قد تستخدم هذا التعاون لتلميع صورتها، حيث تتبنى موقفًا مؤيدًا لإسرائيل، مما يساعدها في التخلص من “وصمة العار النازية” التي تلاحقها منذ الحرب العالمية الثانية. وأكد أن هذه الأحزاب تجد في دعمها لإسرائيل ذريعة لتبرير سياساتها العنصرية ضد المهاجرين.
أوجه التشابه الأيديولوجي بين إسرائيل واليمين المتطرف: وثيقة تكشف الروابط المثيرة للقلق
أصدرت مؤسسة ترفوتوث دراسة جديدة تكشف عن أوجه التشابه الأيديولوجي بين الدولة الإسرائيلية وحركات اليمين المتطرف في أوروبا، مشيرة إلى التعاون المستمر في السياسات التمييزية تجاه الأقليات.
تستعرض الدراسة كيف تسعى إسرائيل، كدولة معترف بها من قبل العديد من الدول كدولة فصل عنصري، إلى تعزيز نموذج مشابه في الدول الغربية. وأوضح رئيس مؤسسة ترفوتوث أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تسعى لتأسيس نظام قانوني يميز بين المواطنين بناءً على دينهم أو عرقهم، مما ينسجم تمامًا مع السياسات المعمول بها في إسرائيل.
وقال ترفوت: “هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة تريد تأسيس نظام يمنح المسلمين والمهاجرين وضعًا قانونيًا أقل شأنًا، وهو ما يتماشى تمامًا مع السياسات الإسرائيلية التي تصنف غير اليهود كمواطنين من الدرجة الثانية”.
وأعطى مثالًا على ذلك حزب الحرية الهولندي، الذي يرأسه خيرت فيلدرز، حيث صرح: “حزب الحرية في هولندا يريد حظر القرآن الكريم ومنح المهاجرين المسلمين حقوقًا أقل، وهو بالضبط ما تفعله إسرائيل مع غير اليهود داخل حدودها”.
هذه النتائج تثير قلقًا كبيرًا حول كيفية تأثير هذه الأيديولوجيات المتطرفة على مستقبل المجتمعات الغربية والعلاقات بين الأديان والثقافات.
خطر تمدد اليمين المتطرف: تهديد يطال المجتمع بأسره
حذر المؤرخ الهولندي ترفورت من تفشي أفكار اليمين المتطرف، مشيراً إلى أن تأثير هذه الجماعات لا يقتصر فقط على المسلمين والمهاجرين، بل يمتد ليشمل فئات اجتماعية ودينية أخرى.
في تصريحات أدلى بها مؤخراً، أشار ترفورت إلى الخطورة المتزايدة من صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، حيث أكد أن هذه القوى تسعى للتوسع في دائرة استهدافها، مما قد يؤدي إلى إضعاف التماسك الاجتماعي وزيادة التوترات بين الأديان والثقافات المختلفة.
وأوضح ترفورت أن قول ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته لإسرائيل، بأنه “عدوكم الرئيسي هو اليهود التقدميون ذوو التوجهات اليسارية الكوزموبوليتية” يعكس بوضوح أن تطور هذا التوجه الثوري قد يُفضي إلى استهداف اليهود، خاصةً أولئك الذين يحملون آراء ليبرالية أو تقدمية أو غير دينية.
وفي ختام حديثه، أبدى ترفورت مخاوفه بشأن انتشار السياسات المعادية للسامية، قائلاً: “عندما يقوى اليمين المتطرف، تصبح السياسات المعادية للسامية أكثر انتشاراً، وقد يتعرض اليهود التقدميون وغير المتدينين لتمييز مماثل لما يعاني منه المسلمون والمهاجرون اليوم”.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط