أخبار عاجلة

د.أيمن نور يكتب: قبل أيام من رمضان..رسالة للمعارضة والنظام


الأمم لا تنهض بالجمود، ولا تزدهر بالقطيعة، ولا تنجو من أزماتها بالتشبث بالمواقف المعلّقة بين الماضي والمستقبل. الفارق بين الاختلاف مع رفيق الطريق، والاشتباك مع من يخالفك في المسار، هو ذات الفارق بين تصحيح الخطى والاستمرار في السير نحو الهاوية.

الإمام علي قالها منذ قرون وكأنه يخاطب واقعنا اليوم: “من أراد الحق فأخطأه، ليس كمن أراد الباطل فأصابه”. من طلب الصواب ولم يهتدِ إليه، ليس كمن قصد الزيف ووجده طريقًا ممهدًا أمامه. إذا منحتنا الأيام فرصًا نادرة للمراجعة، فلماذا نصرّ على إهدارها بتكرار الأخطاء ذاتها، وكأننا محكومون بالسير في نفس الدائرة المغلقة؟

الناس لا تحاسب على النوايا، بل على النتائج. لا يسألوننا عن الماضي، بل عن الحاضر، وعن إجابة لمستقبلهم الذي ما زال معلقًا بين الممكن والمستحيل. رسائلهم تصلنا كل يوم، تساؤلاتهم تحمل مرارة الانتظار، نظراتهم تكشف عن قلق مشروع: “ماذا أنتم فاعلون؟”، بينما يظل البعض عالقًا في وهم الخطابات القديمة، يعيد إنتاج ذات الشعارات المستهلكة، وكأن الزمن لم يتحرك منذ عقد ونيف.

بين رفض الحوار، ورفض الحل، ضاع المنطق السياسي في متاهة العناد. البعض يرى في أي حل سياسي اعترافًا بشرعية الخصم، والمفارقة أن هذا البعض ليس فقط داخل ‎المعارضة، بل يترسخ داخل ‎النظام نفسه، في إعلامه وأجهزته، وكأن رفض الحوار صار فضيلة بحد ذاتها، بغض النظر عن عواقبه. عندما تتساوى الأطراف في الجمود، لا يكون ذلك صلابة، بل استنزافًا لما تبقى من فرص الإنقاذ.

كم هو ساذج أن يُتهم ‎سعد زغلول بالخيانة لأنه تفاوض، رغم أنه لم يتراجع لحظة ، عن مبدأ “الاستقلال التام أو الموت الزؤام”. متى ندرك أن الأثمان الأثقل لم ندفعها في معاركنا ضد خصومنا، بل في حروبنا ضد بعضنا البعض؟ متى نفهم أن ‎رصيدنا السياسي يكاد ينفد، لأن صبر الناس على الجمود السياسي ليس أبديًا؟

السياسة ليست بناءً حجريًا صلبًا، بل نهرٌ يتشكل وفق تضاريس الواقع. فلماذا يُراد أن يتحدث الجميع بصوت واحد؟ الصوت الواحد لا يكون إلا وحيًا، أو ‎كهنوت سياسي، ولا مكان له في عالم يتغير فيه كل شيء. متى يدرك أقطاب ‎المعارضة والنظام أن تعدد الطرق لا يُفسد الغايات، بل يُغنيها، وأن الاختلاف في الأساليب لا يعني التخلي عن المبادئ، بل القدرة على التكيف مع الواقع؟

بعض رفاق الثورة يرددون أن أي دعوة للحوار هي اعترافٌ بشرعية “النظام ”.او تخلي عن حقوق المعتقلين
فهل كان وفقاً لخذا المنطق مثلا ‎صلح الحديبية اعترافًا بشرعية طرد المسلمين وتهجيرهم القسري؟
هل كان تنازل النبي عن توقيع “محمد رسول الله” ليكتب “محمد بن عبد الله” خصمًا من اعتراف العالم بنبوته؟ أم أنه كان ذكاءً سياسيًا من رسول الله ؟البعض يرى أن تقريب وجهات النظر تراجع، بينما الحقيقة أن الجمود وحده هو السقوط.


الاعتراف بالحالة لا يعني القبول بها، لكن رفض التعامل مع الواقع لا يعني إلا الغياب عن تغييره.

حين تعجز السياسة عن إيجاد المخارج، يتحول الصمت إلى كارثة. فلنحرر المصطلحات، ونضيء السياقات، ونتعلم من التاريخ، لأن القادم لن يكون إلا أكثر تعقيدًا مما مضى. جميعنا يعلم، سواء في ‎#السلطة أو ‎#المعارضة، أن الزمن لا ينتظر المترددين، وأن الأيام القادمة أصعب على الجميع.

لماذا كل هذا التوتر في علاقاتنا الداخلية، بينما نحن أكثر تهذيبًا وأكثر تسامحًا مع الآخر؟ لسنا بحاجة إلى مزيد من الخطابات، بل إلى مزيد من التواصل، ومزيد من الوعي، ومزيد من الإدراك بأن الأخطاء لا تعني انقطاع التاريخ، لكن تكرارها لا يعني سوى انقطاع الأمل. ومن فقد أمله، فقد ذاته، ومن فقد ذاته، لم يعد جزءًا من صناعة المستقبل.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حماس تجدد التزامها بوقف إطلاق النار وتتهم الاحتلال بالمماطلة
التالى بالهتافات وارتداء الكوفيات..فرحة فلسطينية عارمة بخروج الأسرى المحررين