في فبراير/شباط الجاري، قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أحد الحلفاء المقربين من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في أوروبا أن الولايات المتحدة قد تنهي الحرب في أوكرانيا خلال أقل من ستة أشهر.
تركت مساعي الولايات المتحدة الدؤوبة لاستئناف العلاقات مع روسيا وإنهاء الحرب أوروبا تترنح، في حين تراقب دول الخليج العربي عن كثب ما قد يعنيه ذلك لأسعار الطاقة وتجارة النفط.
فقد تأثرت دول الخليج الغنية بالنفط بشكل مباشر بقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا، التي تقود مع المملكة العربية السعودية تحالفًا من منتجي النفط يُطلق عليه اسم أوبك+، حيث أن النهاية السريعة للحرب في أوكرانيا قد تعني انخفاض أسعار السلع، من النفط إلى المعادن وكل المنتجات المرتبطة بهما مثل الأسمدة التي تتطلب الغاز الطبيعي للإنتاج.
وقال فيكتور كاتونا، رئيس تحليل النفط في شركة الاستخبارات كبلر، لموقع ميدل إيست آي: “التطبيع الروسي هو دفعة كبيرة لجعل أي سلعة أرخص مما كانت عليه من قبل، سوف تصبح أجزاء كبيرة من سوق السلع الأساسية متاحة بسهولة مرة أخرى”.
وبالتأكيد، فإن هذا التغير في السوق يعتمد على إلغاء الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على روسيا.
فقد كانت إدارة ترامب شفافة إلى حد ما منذ بدأت المحادثات مع روسيا في المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، معلنة أن العقوبات الأمريكية ستتوقف كجزء من صفقة واسعة النطاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو: “العقوبات جميعها كانت نتيجة لهذا الصراع، ومن أجل إنهاء أي صراع، يجب أن تكون هناك تنازلات من جميع الأطراف”.
انخفاض الأسعار
وذكر محللو بنك أوف أميركا في مذكرة أعدوها هذا الأسبوع أن اتفاق السلام في أوكرانيا قد يعني انخفاض أسعار خام برنت بمقدار 5 إلى 10 دولارات للبرميل، وهو انخفاض ملحوظ، بالنظر إلى الأسعار.
واعتباراً من ظهر يوم الجمعة، انخفضت أسعار برنت بنسبة 2% لتقف عند 74.96 دولاراً للبرميل، حيث أكد كاتونا أن إنهاء الحرب في أوكرانيا يعني “انخفاض الأسعار”.
وأضاف: “لن ينتج الروس المزيد من النفط لأنهم لا يملكون الكثير من الطاقة الاحتياطية، لكن النظام سيصبح أكثر قابلية للتنبؤ، سيكون سعر النفط أرخص في نهاية عام 2025 مما هو عليه الآن”.
وبالنسبة لدول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، فهذه أخبار سيئة، حيث أعلن صندوق النقد الدولي أن المملكة بحاجة إلى أن تبلغ أسعار النفط حوالي 96 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، وقد ارتفع هذا الرقم مع محاولة المملكة الحد من العرض لرفع الأسعار.
وتتمتع المملكة العربية السعودية بسعر تعادل أعلى من “خصمها” في أوبك، وبشكل متزايد، من منافستها الجيوسياسية، الإمارات العربية المتحدة.
وتضخ المملكة مليارات الدولارات من عائدات النفط في مشاريع ضخمة باهظة التكلفة مصممة لتقليل اعتمادها على الطاقة في المستقبل وتنويع اقتصادها.
واضطرت الرياض إلى الحد من بعض المشاريع، مثل نيوم، المدينة العملاقة المستقبلية، وبدلاً من 1.5 مليون شخص يعيشون هناك بحلول عام 2030، يتوقع المسؤولون السعوديون الآن أن يقل عدد السكان عن 300 ألف نسمة.
الإخفاق الغربي
وكانت إدارة بايدن قد أعلنت استياءها من قرار المملكة العربية السعودية بعدم إطلاق المزيد من النفط خلال الحرب في أوكرانيا.
وردد أحد كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية السابقين صدى العديد من تصريحات زملائه الذين أخبروا ميدل إيست آي أن الرياض “انحازت ضد الولايات المتحدة ودعمت الاقتصاد الروسي”.
بل إن ترمب، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحدث عن التعاون الاقتصادي مع روسيا بمجرد انتهاء حرب أوكرانيا، ودعا المملكة العربية السعودية في يناير/كانون الثاني إلى إغراق السوق.
وقال ترمب: “إذا انخفض السعر، فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستنتهي على الفور، في الوقت الحالي السعر مرتفع بما يكفي لاستمرار هذه الحرب، عليك خفض سعر النفط”.
ولا تملك المملكة العربية السعودية مصلحة منطقية في تحطيم سعر صادراتها الرئيسية لصالح السياسة الأمريكية، لكن ترمب يسعى إلى التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا مع إبقاء أسعار النفط عند الحد الذي كانت عليه في يناير/كانون الثاني عندما أدلى بتصريحاته.
وعندما غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 كان سعر برميل النفط يبلغ نحو 76 دولاراً، لكنه ارتفع إلى أكثر من 100 دولار بعد الغزو قبل أن يعاود الانخفاض بأكثر من 20% في السنوات الثلاث الماضية.
وقال جريج بريدى، مستشار الطاقة في شركة Spout Run Advisory ومقرها الولايات المتحدة في واشنطن، لميدل إيست آي إن نهاية الحرب في أوكرانيا قد لا تؤثر على أسعار النفط.
وبالنظر إلى أن العرض الروسي لم ينخفض بشكل كبير، فإن رفع العقوبات المفروضة على روسيا لن يعني تدفق النفط إلى السوق لخفض الأسعار.
“لم يكن هناك الكثير من النفط الروسي خارج السوق، لقد تم إزاحته فقط، ولم يعمل سقف السعر بشكل جيد للغاية، كما أن الصين والهند استهلكتا الخام الروسي” – جريج بريدى، مستشار في مجال الطاقة في واشنطن
لماذا تشتري الهند النفط الروسي بالدرهم الإماراتي؟
ويبدو أن ملّاك ناقلات النفط هم الأكثر خسارة من إنهاء العقوبات بعدما استفادوا من تمرير أقساط مخاطر الحرب إلى روسيا.
فقد قال بريدي أنه “وبسبب أن النفط الخام الروسي يسلك طرقا ملتوية للوصول إلى وجهاته، أصبحت ناقلات النفط قليلة العرض وارتفعت الأسعار، لقد جعلت العقوبات الغربية سوق ناقلات النفط التي تعاني من فائض العرض أكثر صرامة، لذا فإن هذا أمر سيئ إذا كنت مالك ناقلة نفط”.
يذكر أن العقوبات الغربية على روسيا خلفت سلسلة كاملة من التأثيرات السلبية، حيث طردت الولايات المتحدة روسيا من نظام سويفت الدولي للرسائل المالية، الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي، وردًا على ذلك، تحركت روسيا لعزل نفسها عن نظام التداول القائم على الدولار.
وينقل النفط الروسي المتجه إلى الصين عبر حدود روسيا الشرقية البعيدة، وقد انتقلت عوائد هذه التجارة بالفعل إلى اليوان، حيث يقول المحللون أن الصين لا تملك دافعاً لإعادة هذه التجارة إلى الدولار.
وقد استعانت روسيا بعملاء آخرين كوكلاء في تعاملاتها بالدولار، حيث كانت الإمارات العربية المتحدة المستفيد الأكبر بعدما أصبحت مركزاً لتجارة النفط الروسي، فعلى سبيل المثال، بدأت الهند شراء الخام الروسي بالدرهم الإماراتي، المرتبط بالدولار لتحقيق الاستقرار في الأسعار.
وساعد ارتفاع قيمة الدرهم كبديل للدولار الأميركي في تجارة النفط الروسية على جلب مليارات الدولارات إلى البنوك الإماراتية.
ويمكن أن تتضرر مكانة دبي باعتبارها “جنيف الجديدة” لتجارة النفط الروسي إذا فتحت الولايات المتحدة الباب أمام روسيا للعودة إلى النظام القائم على الدولار، سيما وأن إدارة ترمب وحلفائها في وسائل الإعلام يشددون باستمرار على أن العقوبات يمكن أن تشكل تهديداً لمكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية.
“يتعين علينا أن ننفذ العقوبات بعناية وبشكل حاسم، وعلينا أن نضمن أن يظل الدولار الأميركي العملة الاحتياطية العالمية” – وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ
وتأمل المملكة العربية السعودية أن يسمح رفع العقوبات الأميركية لها باستعادة حصتها في السوق الصيني، لكن المحللين لا يرجحون حصول ذلك.
وكانت الصادرات الروسية إلى الصين قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق في العام 2024، في حين انخفضت المشتريات الصينية من الخام السعودي بنسبة 9%..
وقال كاتونا إن الخام الروسي يتداول بخصم 4 دولارات للبرميل عن الخام السعودي، وإذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات، فقد يتمكن الروس من خفض الأسعار ومع ذلك يبقى انتاجهم أقل سعراً من الإنتاج السعودي، كما تتمتع الصين بميزة إضافية تتمثل في التجارة باليوان مع روسيا.
هل يمكن لتركيا أن ترسل النفط الروسي إلى أوروبا؟
ويتمثل العامل الحاسم الكبير الآخر في أوروبا، إذ لا يزال الاتحاد الأوروبي يستورد بعض الغاز الروسي لكنه حظر تماما استيراد الخام الروسي المنقول بحرا ومنتجات البترول المكررة.
وفي حين قال كاتونا أن “أوروبا لن تشتري الخام الروسي مرة أخرى”، أوضح بريدى أننا قد نرى انقسامًا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مضيفاً أن “أوروبا والولايات المتحدة قد تسلكان طرقاً مختلفة بشأن العقوبات، لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيستعيد الخام الروسي”.
ويمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تسلك طرقاً أخرى لاستيراد الخام الروسي، حيث أن تخفيف الولايات المتحدة للعقوبات سيسمح لتركيا باستيراد النفط الروسي وتكريره وإعادة بيعه إلى الدول الأوروبية بحرية أكبر.
وفي الواقع، فإن تركيا ذلك بشكل أساسي حالياً بالغاز الروسي عبر خط أنابيب ترك ستريم، الذي وصلت إمداداته إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في يناير/كانون الثاني.
وتعتمد المملكة العربية السعودية على المصافي الصينية لبيع نفطها، كما استثمرت في الإنتاج في المصب هناك.
لكن اقتصاد الصين يتباطأ حيث يتساءل المحللون عما إذا كانت بكين قد وصلت بالفعل إلى ذروة الطلب على النفط.
وإذا لم تتمكن المملكة العربية السعودية من دفع روسيا للخروج من الصين، فإن هذا يترك منافسًا آخر هناك وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
فقد تعهد ترمب بالعودة إلى حملة “الضغط الأقصى” على إيران، وفي الشهر الماضي، ذكرت وكالة رويترز أن مجموعة ميناء شاندونغ المملوكة للدولة في الصين قررت البدء في حظر ناقلات النفط بموجب العقوبات الأميركية في ضربة قوية لإيران، التي يشحن أسطولها المتهالك معظم نفطها إلى الصين.
وقال كاتونا: “فرصة السعودية هي أن تتمكن الولايات المتحدة من القضاء على صادرات النفط الإيرانية، وهذه فرصة سانحة”.
المصدر: ميدا إيست آي (هنا)
نسخ الرابط تم نسخ الرابط