في تقرير حديث صادر عن مركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات، تم الكشف عن التحديات العديدة التي تواجه الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد. حيث تشير التوقعات إلى أن الإدارة يجب أن تتعامل مع تسريح عشرات الآلاف من العسكريين والموظفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مما يعد اختباراً حقيقياً لقدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية.
يتناول التقرير الصادر عن المركز غير الحكومي الذي مقره الكويت، مجموعة من القضايا الحاسمة تشمل السياسة والأمن والاقتصاد، موضحاً حاجة البلاد إلى إصلاحات جذرية وشراكات دولية فعالة لضمان الانتقال السلس نحو الاستقرار وإعادة الإعمار.
تفيد الإحصائيات أن عملية التسريح قد تضع ضغوطاً كبيرة على الخدمات العامة، وتؤثر على الأمن الوطني. كما يؤكد التقرير على أهمية استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك إعادة تأهيل العسكريين السابقين واستيعابهم في مجالات أخرى ضمن المجتمع.
وقد صرح أحد المحللين في المركز قائلاً: “إن التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة عميقة ومعقدة، لكنها أيضاً تمثل فرصة لبناء أساس جديد للدولة الحديثة. الاستثمار في الموارد البشرية وفتح القنوات للتعاون الدولي سيكونان عنصرين أساسيين لتحقيق هذا الهدف.”
إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتفكيك الجيش
في الأيام الأولى بعد سيطرة الإدارة الجديدة على دمشق، شرعت السلطات في حملة واسعة لإعادة تقييم مؤسسات الدولة. وقد تضمن هذا الإجراء حلّ الجيش السوري وتسريح آلاف العسكريين والعناصر الأمنية، بالإضافة إلى فصل عدد كبير من موظفي الدولة. وأوضح مسؤولون في الإدارة أن ما لا يقل عن 25 بالمئة من الموظفين المدنيين يُعدون “موظفين أشباح” يشغلون مناصب بأسماء وهمية أو بدون أداء فعلي، حيث يُرتب معظمهم من أبناء التيارات المرتبطة بالنظام السابق.
وتشير مصادر داخلية إلى أن العدد الفعلي للعاملين في مؤسسات الدولة يقارب 900 ألف موظف مقابل مليون و 270 ألف موظف مسجل رسميًا، مما يكشف عن فجوة تنظيمية تُعرقل جهود إعادة البناء.
البطالة المسلحة وخطر الاستقطاب
أدى التسريح الجماعي للعسكريين وضباط الصف، بالإضافة إلى موظفي وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، إلى ظاهرة يصفها الاقتصاديون بـ”البطالة المسلحة”. حيث فقد هؤلاء الأفراد الامتيازات التي كانت تُقدم لهم خلال عهد الأسد، مثل السكن المجاني والمركبات وفرص العمل الخاصة، ما دفعهم إلى العودة إلى مناطقهم في الريف والمناطق الساحلية.
تثير هذه الظاهرة مخاوف من استغلال الفئات المسرحة من قبل جهات محلية أو إقليمية، حيث يُمكن استمالتهم عبر دعم مالي أو تحفيز عسكري لتأجيج النزاعات، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الداخلي وربما الإقليمي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
ويشير تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سوريا؛ فقد يعاني تسعة من كل عشرة سوريين من الفقر المدقع، في حين تضاعفت معدلات البطالة ثلاث مرات ليصبح واحد من كل أربعة سوريين بلا عمل. ارتفعت معدلات الفقر العام من 33 بالمئة قبل الحرب إلى 90 بالمئة اليوم، فيما زاد الفقر المدقع من 11 إلى 66 بالمئة.
وتتجلى آثار الدمار الاقتصادي أيضًا في خسائر إجمالية تقدر بنحو ثمانمئة مليار دولار خلال فترة الصراع التي امتدت لأربعة عشر عامًا، مما يُبرز حجم التحديات التي يجب معالجتها بشكل عاجل لتفادي انزلاق البلاد في دورة جديدة من العنف.
مقترحات لإعادة بناء سوريا
وقدم مركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات مقترحات لتجاوز تلك التحديات، عبر تبني استراتيجية شاملة تتضمن تقديم الدعم اللازم لإعادة تأهيل المسرحين وإدماجهم في مختلف قطاعات العمل، من خلال برامج تدريب مهني وتعليمية تهدف إلى استغلال خبراتهم في خدمة عملية إعادة البناء الوطني.
إضافة إلى حث المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، على تقديم دعم مالي مستدام من خلال منظمات الأمم المتحدة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، مع إطلاق مشاريع صغيرة في مجالات الزراعة والنقل والبنية التحتية.
كما اقترح التقرير اتخاذ إجراءات فاعلة لمنع استغلال الجماعات المتطرفة للأوضاع الراهنة، بما يشمل مراقبة دقيقة وتطبيق آليات تكاملية لإعادة توزيع القوة والسلطة داخل الدولة.
وشدد التقرير على أن المرحلة القادمة حاسمة في مسار سوريا؛ إذ أن عدم تبني إصلاحات جذرية وشراكات دولية حقيقية قد يؤدي إلى استمرار الانقسامات والاضطرابات، وربما إعادة البلاد إلى دوامة النزاع.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط