لم يكن الأسرى الفلسطينيون الذين تحرروا من سجون الاحتلال الإسرائيلي ضمن صفقات التبادل، يتوقعون أن معاناتهم ستتواصل في شكل جديد، حيث يجدون أنفسهم عالقين في المجهول، تتقاذفهم حسابات سياسية إقليمية، بدلًا من أن يُستقبلوا كأبطال ناضلوا من أجل حرية شعبهم.
التقارير التي نشرتها صحيفة “إندبندنت” تكشف حجم الخذلان الذي يتعرض له الأسرى المبعدون، فبعد أن أُجبروا على مغادرة وطنهم كجزء من اتفاقات التبادل، أصبحوا اليوم بلا وجهة واضحة، يواجهون رفضًا من الدول العربية التي تراجعت عن وعودها باستقبالهم. وبينما تحتجزهم السلطات المصرية في فنادق العاصمة الإدارية تحت قيود أمنية صارمة، ترفض السماح لهم بمغادرة أماكن إقامتهم إلا بمرافقة أمنية، وهو ما يعكس التعامل معهم وكأنهم عبء سياسي يجب التخلص منه، بدلًا من أن يُكرَّموا كرموز وطنية قدّمت أعمارها في سبيل القضية الفلسطينية.
المفارقة المؤلمة أن قطر وتركيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان أبدتا استعدادًا لاستقبال الأسرى، بينما تراجعت دول عربية، مثل تونس والجزائر، عن وعودها السابقة، في مشهد يعكس تراجع الالتزام العربي تجاه القضية الفلسطينية، حتى في أبسط أشكال الدعم الإنساني والسياسي. والأسوأ من ذلك أن مصر، التي تمثل بوابة عبور هؤلاء الأسرى، ترفض حتى استقبالهم مؤقتًا، مما يضعهم في دائرة الابتزاز السياسي والمقايضات الإقليمية.
إن ما يجري اليوم مع الأسرى الفلسطينيين هو امتداد لخذلان رسمي مستمر، حيث تحولت الأنظمة العربية من داعم للقضية إلى طرف في تعقيد معاناة شعبها، إما خوفًا من غضب الاحتلال، أو تماهيًا مع مشاريع التطبيع التي تضع المصالح الضيقة فوق أي اعتبارات قومية أو إنسانية.
لكن ما لا يدركه هؤلاء أن الأسرى، الذين صمدوا في زنازين الاحتلال لأعوام طويلة، لن تكسرهم قيود الإبعاد، ولن ينال الخذلان من عزيمتهم. وكما صنعت المقاومة معادلة التحرير في الميدان، فإن الشعب الفلسطيني، بكل قواه الحية، سيواصل النضال لإعادة هؤلاء الأبطال إلى وطنهم، رغم أنف المحتل ورغم تواطؤ المتخاذلين.
المعركة لم تنتهِ، والخيانة لن توقف مسيرة التحرير، والتاريخ يسجل المواقف، ليحكم على من وقف مع فلسطين، ومن خذلها في لحظات الحقيقة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
