تتحرك شركة “إيثيدكو”، أكبر منتج للإيثيلين والبولي إيثيلين في مصر، بخطوات مثيرة نحو الحصول على قرض بقيمة 40 مليون دولار من “بنك المشرق” الإماراتي.
يستهدف هذا القرض تسديد ديون متراكمة، مع تأكيد مسؤول حكومي أن الشركة تعتزم استخدام هذه الأموال لتسوية ديون مستحقة لشركة “جاسكو”، الشركة المصرية للغازات الطبيعية، والتي تتعلق بمشتريات الغاز. هذا التحرك يعكس أزمة مالية عميقة تعاني منها “إيثيدكو”، ويدق ناقوس الخطر حول قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المتزايدة.
لم تكتف الشركة بهذا القدر من الاستدانة، بل سجلت تاريخاً من التوجه نحو البنوك الإماراتية للحصول على تمويل. فقد لجأت في عام 2023 إلى “بنك المشرق” للحصول على قرض ضخم بقيمة 250 مليون دولار. الهدف من ذلك القرض كان سداد ديون سابقة استخدمت في مراحل الإنشاء والتأسيس، مما يعكس مدى التورط العميق للشركة في شبكة من الديون المتلاحقة. يبدو أن الاعتماد على الديون بات سياسة رئيسية لشركة “إيثيدكو” في محاولاتها للبقاء على قيد الحياة.
كشف المسؤول الحكومي عن أن الموافقة على القرض الجديد لن تتم إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. ويبدو أن الجهة المقرضة فرضت شرطًا حساسًا، وهو إدراج بند التحكيم الدولي في حال نشوب نزاع حول القرض. هذا الشرط يسلط الضوء على المخاوف الدولية بشأن استقرار النظام المالي في مصر، ويضع “إيثيدكو” تحت طائلة التعرض لمساءلات قانونية دولية. فما الذي يدفع الشركة إلى المجازفة بمثل هذه الشروط؟
عندما ننظر إلى تاريخ “إيثيدكو”، نجد أنها تأسست كشركة مساهمة في يناير 2011 تحت قانون الاستثمار. يتوزع هيكل ملكيتها بين عدة أطراف بارزة، مما يوضح حجم الثقة التي تمتع بها المشروع في بدايته. تشمل الملكية شركات كبرى مثل “سيدي كرير” التي تمتلك 20% من الأسهم، و”الشركة القابضة للبتروكيماويات” التي تمتلك 20% أيضًا، و”شركة جاسكو” التي تمتلك 11%. كما يمتلك “البنك الأهلي” و”بنك مصر” نسبًا من أسهم الشركة، وهو ما يجعل هذه الأزمة المالية تؤثر بشكل مباشر على تلك المؤسسات المالية الكبرى. إضافة إلى ذلك، تمتلك “أبوظبي القابضة” الإماراتية حصة في الشركة، مما يزيد من التعقيد الجيوسياسي للمسألة.
عند تحليل حجم إنتاج “إيثيدكو”، يتضح أن الشركة ليست صغيرة بأي حال من الأحوال. فإنتاجها من الإيثيلين بلغ أكثر من 274 ألف طن، في حين بلغ إنتاج البولي إيثيلين 280 ألف طن خلال عام 2023. هذه الأرقام الكبيرة تطرح تساؤلات حول كيفية وقوع شركة بهذا الحجم في أزمات مالية خانقة تدفعها للاقتراض المتواصل. هل السبب هو سوء الإدارة؟ أم أن الشركة تواجه تحديات خارجية قاسية؟ مهما كانت الأسباب، فإن الواقع يكشف عن أزمة عميقة قد تهدد استمرارية واحدة من أهم شركات البتروكيماويات في مصر.
لم يكن الحصول على القروض خياراً غير مسبوق بالنسبة لـ”إيثيدكو”. فقد سبق لها وأن حصلت على تمويلات ضخمة من بنوك محلية ودولية، ولكن ما يثير القلق هو الاعتماد المستمر على القروض دون وجود خطط واضحة للخروج من هذه الدوامة المالية. هذا النهج يجعل مستقبل الشركة غير مضمون، بل ويهدد استقرار صناعة البتروكيماويات في مصر ككل.
إضافة إلى ذلك، تواجه الشركة ضغوطًا داخلية وخارجية. على الصعيد المحلي، تجد نفسها مجبرة على تسديد ديون متراكمة لشركات مصرية مثل “جاسكو”، مما يضيف عبئاً إضافياً على كاهلها. وعلى الصعيد الدولي، تتعامل مع شروط صارمة من الجهات المقرضة، التي لم تعد تثق بشكل كامل في قدرتها على السداد دون فرض ضوابط صارمة. هذا التوجه يعكس صورة قاتمة للمستقبل المالي لـ”إيثيدكو”، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة المصرية على التدخل لإنقاذ الشركة من هذا المأزق.
كما أن وجود حصص مملوكة لبنوك كبرى مثل “البنك الأهلي” و”بنك مصر” يجعل هذه الأزمة أكثر تعقيدًا. إذا فشلت “إيثيدكو” في الوفاء بالتزاماتها المالية، فإن تأثير ذلك سيمتد ليشمل هذه المؤسسات المالية الكبرى، مما قد يخلق أزمة أوسع في النظام المالي المصري. لا يمكن تجاهل أن هذه البنوك تمثل جزءًا هامًا من الاقتصاد المصري، وأي تأثير سلبي عليها سيؤدي إلى تداعيات كارثية.
ما يزيد الطين بلة هو أن “إيثيدكو” لم تتخذ حتى الآن خطوات جادة لتخفيف عبء الديون. بل يبدو أنها تتبع نهجًا يعتمد على الاقتراض المستمر كحل قصير الأمد، دون النظر إلى العواقب المستقبلية. هذا النهج قد يضع الشركة في مواجهة مصير قاتم إذا استمرت في تجاهل الحاجة إلى إعادة هيكلة مالية جذرية.
بالتالي، تحتاج “إيثيدكو” إلى خطة إنقاذ عاجلة تشمل إعادة تنظيم ديونها وضبط سياساتها المالية. لا يمكن للشركة أن تستمر في هذا المسار دون التعرض لانهيار محتمل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط