في فضيحة مدوية تكشف فسادًا إداريًا وماليًا في الدورة الرابعة عشر لمهرجان التحطيب في الأقصر، تتكشف الحقائق التي تُثبت أن وزارة الثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة تحديدًا، قد تورطت في سلسلة من الانتهاكات الممنهجة التي أهدرت الأموال العامة، فيما أُفرغ المهرجان من قيمته الثقافية ليصبح مجرد مسرحية تجميلية تهدف إلى مجاملة الفاسدين على حساب الثقافة والفن في مصر.
هذا المهرجان الذي كان من المفترض أن يُحسن صورة المدينة التاريخية ويعزز من نشاطها الثقافي، أصبح أداة للفساد المالي والإداري، يختلط فيه الفشل الإداري مع عمليات التلاعب العلني بالمال العام.
إهدار المال العام تحت غطاء ثقافي
بلغت إجمالي المصروفات على إقامة وإعاشة وانتقالات الفرق الفنية وشيوخ التحطيب خلال الدورة الرابعة عشر للمهرجان مبلغًا فاحشًا قدره مليونًا وأربعمائة ألف جنيه، تم صرفها دون أي مردود حقيقي للمهرجان أو للمواطنين.
حيث تم تخصيص هذا المبلغ الكبير للفرق الفنية التي تم استقطابها، وعددها ستة فرق للفنون الشعبية، وفقًا لما ذكرته الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي.
ولكن ما حدث هو أن هذه الفرق، التي تم جلبها على حساب الموازنة الضخمة، لم تُقدّم أي عروض جديدة أو مبتكرة. بدلاً من ذلك، عرضت نفس العروض المتكررة يوميًا على ساحة أبو الحجاج في مدينة الأقصر، ولم تتجاوز مدة عرض كل فرقة العشرين دقيقة، في حين أن الوقت المحدد للعروض كان في العادة يتراوح بين 30 دقيقة إلى ساعة في الأعوام السابقة.
أُقيمت العروض في مكان واحد فقط، وهو ساحة أبو الحجاج في قلب مدينة الأقصر، بينما كان من المفترض أن تُوزع هذه العروض على مختلف المدن في محافظة الأقصر لتتيح لكل المواطنين في مختلف المناطق فرصة مشاهدة هذه العروض الفلكلورية المميزة.
كما كان يتميز المهرجان في الأعوام السابقة بتنوع الفعاليات الثقافية وتوزيع العروض على أكثر من موقع، ليتمكن الجميع من الاستفادة، لكن هذا العام، كان الأمر مجرد عرض “مصور” يقتصر على فئة معينة من المواطنين في مركز المدينة، مما يعد إهدارًا غير مبرر للموارد العامة.
تجاوزات وتكريمات مشبوهة
ما يزيد من فضيحة هذه الدورة هو سلسلة من التكريمات التي تمت بشكل مشبوه، حيث تم تكريم بعض الأفراد الذين لا علاقة لهم لا بتأسيس فرقة الأقصر ولا بإعادة إحياء مهرجان التحطيب، بينما تم تهميش شخصيات فنية وثقافية لها دور كبير في تأسيس هذه الفعاليات.
من بين المكرمين كان أحد الأشخاص الذي تم تكريمه رغم عدم وجود أي دور له في تأسيس الفرقة أو المهرجان، ولا يُعقل أن يتم تكريمه بهذه الطريقة سوى لصلاته القوية مع بعض المسؤولين في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعلى رأسهم الفنان أحمد الشافعي، رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية، وعماد فتحي، رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي.
هذا التكريم المشبوه يأتي في وقت كان فيه يجب تكريم أولئك الذين ساهموا بإخلاص في إعادة إحياء مهرجان التحطيب ورفعوا من مستوى فرقة الأقصر، لكن يبدو أن المجاملات التي حدثت كانت لها الأولوية على حساب تكريم المبدعين الحقيقيين.
الهيئة العامة لقصور الثقافة: في قلب الفساد
إن ما حدث من تجاوزات في مهرجان التحطيب بالأقصر لا يُعتبر مجرد خطأ إداري أو تنظيماتي، بل هو فضيحة فساد مستشري داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويكشف عن فشل متواصل في إدارة هذه الهيئة في عهد محمد ناصف، رئيس الهيئة.
طوال فترة ولايته، أظهرت الهيئة حالة من التراخي في مواجهة الفساد المالي والإداري، حيث أصر على اتباع سياسة “الطبطبة” والتستر على الشكاوى المقدمة ضد الفاسدين داخل الهيئة.
بل إن التحقيقات في هذه القضايا لم تكن سوى عملية تسوية سياسية لإغلاق الملف بدون محاسبة حقيقية، وهو ما يثير الشكوك حول نوايا هذه القيادة في إدارة الهيئة.
السياسات الفاسدة التي أُتبعت في مهرجان التحطيب هذا العام، من إهدار الأموال العامة إلى المجاملات في تكريم الأشخاص غير المستحقين، تتماشى مع نمط ممارسات الهيئة في السنوات الأخيرة.
بدلاً من أن تُخصص الهيئة هذه الأموال لإحياء الفنون وتقديم عروض ثقافية حقيقية، كانت توجيهاتها تذهب إلى جيوب الفاسدين أو تُصرف على فعاليات فارغة من أي قيمة.
عملية تلاعب ممنهجة
النفق الذي دخلت فيه الهيئة العامة لقصور الثقافة هذا العام أصبح أكثر وضوحًا مع استعراض كيفية إهدار مليون وأربعمائة ألف جنيه في مهرجان التحطيب.
ولم يكن ذلك سوى جزء من سلسلة طويلة من التلاعبات المالية والإدارية التي طالت العديد من الأنشطة الثقافية في إقليم جنوب الصعيد الثقافي.
بدلاً من أن يتم صرف هذه الأموال على تطوير العروض الفنية، وتحقيق أكبر استفادة ثقافية للمواطنين، تم إنفاقها بشكل غير مبرر على تكاليف إقامة غير ضرورية وتكريمات لا طائل من ورائها.
إدارة الفشل وتستر على الفساد
إن التعامل مع الفساد في الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت إدارة محمد ناصف يعكس فشلًا ذريعًا في مكافحة الفساد المالي والإداري.
فبدلاً من اتخاذ إجراءات حاسمة لمحاسبة المسؤولين عن هذا الإهدار، فضلت الإدارة سياسة الصمت والتجاهل. بل وأصبحت الهيئة تتحرك في دوائر مغلقة، تهتم بتكريم الأصدقاء والمقربين وإرضاء بعض الشخصيات المؤثرة على حساب الأهداف الثقافية الحقيقية للمهرجان.
تحقيق العدالة وحماية المال العام
إن ما حدث في مهرجان التحطيب بالأقصر هو تحذير صارخ لكل المصريين من واقع الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية، الذي يؤثر على كل مفصل من مفاصل الحياة الثقافية والفنية.
يجب أن تكون هناك محاسبة حقيقية للمسؤولين عن هذه الفضيحة، ويجب على وزارة الثقافة أن تتخذ إجراءات حاسمة وشفافة للحد من هذه التجاوزات.
إذا كانت الدولة جادة في التصدي للفساد، فإن التحقيقات في هذه القضية يجب أن تكون أولى الأولويات، مع محاسبة جميع المتورطين في إهدار المال العام وتحقيق العدالة لكل من تم استبعادهم من التكريمات بسبب محاباة المسؤولين.
حيث يجب أن يتوقف هذا الاستهتار بالمال العام ويجب على القيادة الثقافية أن تعمل من أجل إحياء الفعاليات الثقافية بشكل حقيقي يخدم المواطن ويعزز من قيمة الفن والتراث.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط