أخبار عاجلة

 د. عدنان منصور يكتب : لبنان في عهدة عماد الرئاسة وقاضي الحكومة!

بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة، وذلك بعد فراغ رئاسي، وحكومة تصريف أعمال، داما لأكثر من سنتين، انقسم اللبنانيون بين متفائل ومتشائم، محبط ومتحفظ، مشكك ومرحب، متخوّف ومترقب، وبين باسر وحائر.


لعلّ هذا التباين والانقسام في مواقف اللبنانيين حيال ما جرى، مردّه الى تجارب مرة عانى منها اللبنانيون على مدى عقود طويلة، وهي ناجمة عن بيانات رئاسية وحكومية، ووعود برّاقة طنّانة، تراكمت مع رؤساء الجمهورية السابقين وحكومانها. بيانات ما كانت يوماً إلا وعوداً وهميّة لم تعرف طريقها الى التطبيق العملي، بحيث ظلت شعارات فارغة تنتقل من عهد إلى عهد،

ولم تحمل للبنانيين سوى الأوهام والخيبة، التي أصابت بالصميم تطلعاتهم وآمالهم ومستقبلهم، وألحقت بهم الإحباط واليأس، حتى وصل الأمر بهم الى الكفر بالوطن، والى انعدام الثقة بالزعماء والمسؤولين الذين جثموا على صدورهم لعقود،

وعبثوا بحقوق الشعب ومصير الوطن، وأذلّوا كلّ لبناني حرّ تطلّع الى دولة العدالة والقانون، وإلى قضاء شفاف نزيه مستقل، بعيداً عن تدخل السياسيين في شؤونه، وإلى دولة تحقق لهم تكافؤ الفرص، والتنمية المستدامة، والعدالة في وطن العيش الواحد.


على مدى عقود، كانت عيون اللبنانيين تراقب عن كثب الحياة السياسية في الداخل والخارج، وممارسات، وسلوك،
الزعماء والمسؤولين، وأداء المؤسسات الرسميّة على أنواعها في كلّ صغيرة وكبيرة. ممارسات أدّت إلى تبديد ثقة اللبنانيين كاملة بنظامهم، ودولتهم وحكامهم.


اليوم، وما تضمّنه خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ليدلّ على مدى تحسّسه، ومعرفته العميقة بخبايا وبواطن الأمور وحقيقتها، وما جاء أيضاً في بيان رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، إلا ليعبّر ويدلّ على مستوى المسؤولية الوطنية الكبيرة التي تقع على عاتق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وما ينتظره اللبنانيون من العهد الجديد من إصلاحات،

وتغيير الدستور وتطبيقه نصاً وروحاً، واتخاذ الإجراءات الشجاعة الحاسمة لجهة ترميم مؤسسات الدولة، وصون القضاء وتحريره من قبضة وتسلّط السياسيين والنافذين، والمنتفعين، والفاسدين، وإعادة ثقة اللبنانيين بحكامهم، كي يقفوا جنباً الى جنب وراء دولتهم وقياداتها.


إنّ استرجاع ثقة اللبنانيين بدولتهم ومؤسساتها لا تتمّ بعفويّة وتسرّع، وإنما تُسترجع بعد أن يرى المواطنون نتائج عملية ملموسة على الأرض لا شائبة لها.


التغيير والإصلاح وترميم الدولة ومؤسساتها لا يمكن تحقيقها بعيداً عن التطهير، وبمعزل عن المحاسبة والملاحقة القضائيّة.
إنّ تطهير الوزارات والمؤسسات من الفاسدين، والضرب بيد من حديد، وإحالتهم على القضاء، ومحاكمة كلّ الذين عبثوا بمال الشعب، ورزقه وجنى عمره، وأثروا على حساب خزينة الدولة والمال العام، وانغمسوا في الفساد والصفقات داخل الإدارات العامة، وجنوا المال الحرام، هؤلاء لا بدّ من ملاحقتهم ومحاسبتهم.


إنّ تطهير القضاء من الذين شوّهوه من داخله، وسيّسوه، وأبعدوه عن قيَمه ورسالته، وتخلّوا عن قَسَمهم، لهوَ مقدمة أساسية لأيّ تغيير وإصلاح في لبنان.


إنّ الأمم المتحضّرة والحية لا تقاس بعدد سكانها أو بمساحة أرضها، ولا بتعداد مؤسساتها، وإنما تقاس فقط بمدى احترامها للقوانين والعدالة وحقوق الإنسان وتطبيقها، والالتزام بها، ومعاقبة كلّ فاسد مهما علا شأنه.


ألم يقل ونستون تشرشل أثناء خوض بلاده الحرب العالمية الثانية عندما نقل إليه قرار أصدره قاضٍ بإغلاق قاعدة جوية عسكرية في شمال بريطانيا، لساعات محدّدة يومياً، تقع بالقرب من المحكمة، حيث كانت الطلعات الجوية تسبّب ضجيجاً داخلها: فلتُقفل القاعدة. أهون على بريطانيا أن تخسر الحرب على أن يُقال إن ليس فيها قانون.


ما أحوج لبنان اليوم إلى عماده وقاضيه لإعادة بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة الشفافية والكفاءات لا دولة الأزلام والمحسوبيات، ووصاية السياسيين على أتباعهم.


اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، يتطلعون الى الدولة القوية المقتدرة، القادرة على مواجهة أي عدوان يتعرّض له لبنان مستقبلاً. وما أحوج لبنان الى نظام سياسي لا طائفي، وقانون انتخابات عصري يعزّز التمثيل والانتماء الوطني الحقيقي للمواطن اللبناني، في دولة يتألق فيها أصحاب المواهب والمناقب، بدلاً من اختزالهم وتهميشهم داخل إمارات المناطق والطوائف.


ما أحوج لبنان اليوم الى اغتنام الفرصة، وعدم هدر الوقت، والإسراع في تطبيق خطاب القَسَم نصاً وروحاً من قبل الرئاسة والحكومة، كي تنتعش من جديد قلوب اللبنانيين، ويتجدّد أملهم بلبنان قوي معافى متحرّر من كلّ هيمنة، ونفوذ، وإملاءات أجنبية خارجية، يصون قراره وسيادته وأرضه، دولة وجيش وشعب مقاوم ضدّ أيّ عدوان.


إنّها فرصة تاريخية أمام الرئيسين، وأمام مجلس نواب الأمة. فحذار التفريط بها، إذ لم يعد باستطاعة اللبنانيين التحمّل أكثر مما تحمّلوه على مدى عقود من أعباء ثقيلة تنوء من حملها الجبال، بعد أن تمادت العهود السابقة، وفرّطت بالدستور والقانون، وبقيم الحرية. والعدالة، وأوْصلت الوطن الى حالة مزرية لا تحسده عليها أكثر الدول تخلفاً في هذا العالم.


حذار حذار من تهميش او إبعاد أي مكوّن لبناني، أو تطويقه، أو عزله، أو إخضاعه، أو إفشاله، أو فرض الأمر الواقع عليه، أو إكراهه على اتخاذ مواقف سلبيّة، مما سيقوّض الميثاقيّة بين المكوّنات الوطنية، والعيش الواحد، ويجعل العهد والوطن من جديد في مأزق ومستنقع يصعب الخروج منه.


إنّ الحكمة في التصرّف والتعاطي مع المواضيع الحساسة لهي مسؤولية الجميع، لا سيما مسؤولية العهد الجديد، للحفاظ على وحدة الصف والهدف لكلّ المكونات اللبنانية.


إنّ الأمل لكبير كبير لدى اللبنانيين الأحرار الذين عانوا الأمرّين، وصمدوا وصبروا صبراً عجيباً، وهم المتعلقون بوطن ولم يتخلّوا عنه، يعيشون على الأمل، علّه يحقق لهم يوماً أحلامهم وآمالهم بعد معاناتهم، وآلامهم وعذابهم الطويل!
هو لبنان الحاضر الصابر بكّل جروح وعذابات وتضحيات ومعاناة شعبه، أمانة في عنق فخامة الرئيس،
وكلنا أمل ورجاء أن يدوّن التاريخ مسيرته الجديدة،
بإنجازات باهرة، ناصعة بيضاء تروي غليل كلّ اللبنانيين!
وإنّا لَمنتظرون!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ميدل ابست اي : إسرائيل دمرت الحياة في غزة لكنها فشلت في تحقيق الانتصار
التالى د. حسن نافعة يكتب : ترامب ونتنياهو والحقيقة الغائبة