كانت تهامة ملتقى للعديد من الحضارات القديمة، حيث مرت بها القوافل التجارية التي كانت تنقل السلع بين جنوب الجزيرة العربية وأفريقيا وآسيا، كما لعبت المنطقة والتي تُعرف بتنوعها البيئي والثقافي، دورًا هامًا في التجارة البحرية عبر البحر الأحمر.
رغم هذا العمق التاريخي، فإن تهامة اليوم تحولت إلى رمز للإهمال والفقر. المنطقة غنية بمواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، لكنها لم تستفد من ذلك بسبب السياسات التي تهمشها وتقصي سكانها من خطط التنمية الوطنية. تعد تهامة من أفقر المناطق في اليمن، حيث يعاني سكانها من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد. الأزمات الاقتصادية المتتالية والحرب المستمرة منذ عام 2015 جعلت الوضع أكثر سوءًا. الجفاف وقلة الأمطار أثرا على النشاط الزراعي الذي يعتبر المصدر الرئيسي للدخل في المنطقة، بينما أدت الحرب إلى تعطل حركة الصيد البحري، وهو مصدر رزق آخر مهم.
وكذلك يعاني سكان تهامة من انتشار أمراض مثل الملاريا، وحمى الضنك، وسوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال. نقص المرافق الصحية والمستشفيات في المنطقة أدى إلى زيادة الوفيات بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها بسهولة. الكوادر الطبية قليلة، والمساعدات الإنسانية التي تصل غالبًا ما تكون غير كافية أو لا تصل إلى المناطق النائية. وأيضاً يُعد قطاع التعليم في تهامة من القطاعات الأكثر تضررًا. الكثير من الأطفال محرومون من فرصة التعليم بسبب الفقر أو النزوح أو غياب المدارس المؤهلة. حتى تلك المدارس التي ما زالت قائمة تعاني من نقص في المدرسين والمناهج والبنية التحتية الأساسية.
وكذلك تعاني تهامة من إقصاء وتهميش مزمن في المشاركة السياسية وصنع القرار على المستوى الوطني. سكانها يُنظر إليهم على أنهم مجرد هامش في المعادلة السياسية، مما أدى إلى حرمانهم من حقوقهم في التنمية والخدمات العامة. إن الأسباب الجذرية للمشكلة هي الإهمال الحكومي المزمن حيث إنه على مدار عقود، لم تولِ الحكومات اليمنية المتعاقبة اهتمامًا كافيًا لتنمية تهامة، رغم أهميتها الاقتصادية والجغرافية. هذا الإهمال ترك المنطقة عرضة للتخلف التنموي. بالإضافة إلى الحرب الحالية أدت إلى تدمير البنية التحتية الهشة أصلًا، وجعلت السكان يعانون من القصف والنزوح والجوع. الصراعات المستمرة جعلت تهامة واحدة من أكثر المناطق تأثرًا في اليمن. وكذلك التغير المناخي أثر بشكل كبير على تهامة، حيث أدى ارتفاع منسوب البحر إلى تدمير الأراضي الزراعية، وأثر الجفاف المتكرر على المزارعين والصيادين. إن مطالب أهالي تهامة كالتالي يجب أن تكون الأولوية لإغاثة السكان وتوفير الغذاء والدواء. فعلى المنظمات الدولية أن تضغط على الأطراف المتصارعة لضمان إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة دون قيود.
وأيضاً يجب الاستثمار في البنية التحتية من خلال بناء المدارس والمستشفيات وإعادة تأهيل الطرق وشبكات المياه. كما ينبغي توفير فرص عمل لسكان المنطقة من خلال دعم قطاعات الزراعة والصيد. بالإضافة إلى توفير مدارس مؤهلة ومجانية وتعزيز القطاع الصحي بمرافق وأطباء سيؤدي إلى تحسين نوعية الحياة لسكان تهامة على المدى الطويل. ومن المهم أيضاً أن يكون لسكان تهامة صوت في مراكز صنع القرار على المستوى الوطني. ينبغي إشراكهم في العملية السياسية والتنموية بشكل عادل.
ومن جانب آخر فإن دور المجتمع الدولي يكون بالضغط الدبلوماسي حيث يجب على المجتمع الدولي أن يضغط على الحكومة اليمنية والأطراف المتصارعة لإعطاء الأولوية لتنمية تهامة وإنهاء التهميش السياسي. وكذلك التنسيق مع المنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، يمكنها لعب دور أكبر في توفير الإغاثة العاجلة وإطلاق مشاريع مستدامة. وأيضاً إعادة الإعمار والتنمية وعلى الدول المانحة أن تخصص جزءًا من مساعداتها لإعادة إعمار تهامة وتنفيذ برامج تستهدف تحسين الظروف المعيشية للسكان. إن إنصاف تهامة ليس مجرد قضية إنسانية فحسب، بل هو واجب أخلاقي ومسؤولية دولية. فاستمرار إهمال هذه المنطقة يعني استمرار معاناة الآلاف، ما قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
يجب أن تكون قضية تهامة أولوية على أجندة المنظمات الدولية والدول المانحة لضمان حق شعبها في حياة كريمة ومستقبل أفضل. ختاماً، حكاية تهامة ليست فقط قصة معاناة، بل هي دعوة إلى العالم ليقف إلى جانب شعب عانى طويلًا، وليساهم في إعادة الأمل إلى أرض عريقة تستحق الحياة. تهامة ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي موطن لملايين البشر الذين لهم الحق في حياة كريمة. تجاهل معاناة سكانها واستمرار تهميشهم لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في اليمن ككل. إنصاف تهامة هو واجب وضرورة أخلاقية، يجب أن يتحملها الجميع، من حكومة اليمن إلى المجتمع الدولي، لضمان أن تُطوى صفحة المعاناة ويُفتح باب الأمل لشعب يستحق الحياة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط