كشف تقرير خطير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات عن تفاصيل فضيحة مالية هائلة هزت القطاع المصرفي في مصر، حيث تورط كبار المسؤولين السابقين في كل من البنك العربي الإفريقي الدولي والمصرف العربي الدولي في إهدار مليارات الجنيهات من أموال المودعين والمساهمين.
يكشف موقع “أخبار الغد” عن تجاوزات صارخة واختلاسات تتمثل في استغلال السلطة لتحقيق مصالح شخصية وسوء إدارة الأموال العامة، الأمر الذي يعكس فساداً مستشرياً في المؤسسات المالية ومؤامرة لنهب مقدرات الدولة.
تورط العضو المنتدب للبنك العربي الإفريقي في إهدار 9.2 مليار جنيه
أولى الفصول الصادمة في هذا التقرير هي فضيحة العضو المنتدب السابق للبنك العربي الإفريقي الدولي، الذي تورط في منح تسهيلات ائتمانية ضخمة بلغت 9.2 مليار جنيه لعدد من كبار العملاء دون أدنى مراعاة للقواعد المصرفية أو مصالح البنك.
استخدمت هذه التسهيلات ليس لتنمية استثمارات أو دعم الاقتصاد، بل لسداد قروض وتسهيلات أخرى مستحقة على نفس العملاء لدى البنك العربي الإفريقي الدولي نفسه، بقيمة بلغت 2.8 مليار جنيه، إضافة إلى 191 مليون جنيه مستحقة لبنوك أخرى.
هذه الخطوة التي تعد بمثابة تحايل مكشوف تمثل قمة الفساد المالي، حيث تم توجيه الأموال لإخفاء عجز مالي كبير لدى العملاء، بدلاً من استخدامها لأغراض إنتاجية تساهم في دعم الاقتصاد.
ولم تتوقف الجرائم عند هذا الحد؛ فقد أظهرت التقارير أن جزءاً من التسهيلات تم توجيهه لزيادة رؤوس أموال شركات قائمة بمبلغ 950 مليون جنيه، كما تم استخدام 2.9 مليار جنيه أخرى لسداد قيمة شراء أراضٍ لهؤلاء العملاء، في خرق واضح لكل القواعد المصرفية.
العضو المنتدب السابق يتحايل لتغطية العملاء المتعثرين
تستمر التجاوزات التي قام بها العضو المنتدب السابق للبنك العربي الإفريقي الدولي في الظهور واحدة تلو الأخرى. إذ لم يكتف فقط بمنح التسهيلات الائتمانية الضخمة بطريقة غير مشروعة، بل تورط أيضاً في تحايلات فاضحة لإظهار العملاء على أنهم منتظمون في سداد التزاماتهم المالية، رغم كونهم متعثرين وغير قادرين على الوفاء بمستحقات البنك.
هذه التلاعبات تمثل خيانة جسيمة للثقة، وتهدف فقط لإخفاء حجم الكارثة المالية التي كان البنك على وشك مواجهتها بسبب سوء إدارته.
وكشفت تقارير الرقابة والتفتيش أن العضو المنتدب تجاهل متابعة استخدام القروض والتسهيلات من قبل بعض العملاء، بل ثبت أن الدراسات الائتمانية المقدمة لبعض الشركات كانت غير سليمة على الإطلاق، مما أدى إلى إهدار مزيد من الأموال العامة.
الأكثر خطورة، أن العضو المنتدب وافق على منح تسهيلات لشركة مملوكة للبنك نفسه، واستخدم جزءاً من القرض في عقد تأجير تمويلي ثم استخدمه لسداد ديون الشركة. والأسوأ من ذلك، أن هذا العضو كان يتولى منصب عضو مجلس إدارة الشركة المستفيدة، مما يكشف عن تعارض مصالح واضح واستفادة شخصية مباشرة.
سرقة 5.2 مليون دولار و119 مليون جنيه
من أبرز جوانب الفساد التي كشف عنها التقرير، هو حصول العضو المنتدب السابق على أموال ضخمة دون وجه حق. فقد ثبت حصوله على 5.2 مليون دولار، في حين حصل 7 مديرين آخرين بالبنك على 119 مليون جنيه، وهي مبالغ وصفت بأنها مبالغ فيها للغاية ولا تتناسب مع حجم الأعمال التي قدموها.
الأخطر من ذلك أن هذه المبالغ تم صرفها بالدولار الأمريكي، رغم أن لائحة البنك تعتمد الجنيه المصري كعملة رسمية للمرتبات، ما يعكس تلاعباً واضحاً باللوائح والقوانين لتحقيق مكاسب شخصية.
لم تتوقف المخالفات عند هذا الحد، فقد قام العضو المنتدب السابق بزيادة راتبه الشخصي من 55 ألف دولار إلى 78.8 ألف دولار، دون الإفصاح عن هذا القرار أو عرضه على مجلس الإدارة، في تجاوز فاضح لمبادئ الشفافية. كما قام بسحب مبالغ مالية بالدولار، رغم أن النظام الأساسي للبنك يحظر ذلك دون الرجوع إلى المجلس.
فساد إداري واستغلال نفوذ في المصرف العربي الدولي
لم تكن التجاوزات والفضائح المالية مقتصرة على البنك العربي الإفريقي الدولي فقط، بل تورط نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق للمصرف العربي الدولي في سلسلة من المخالفات التي لا تقل خطورة.
كشف التقرير أن العضو المنتدب منح تسهيلات ائتمانية بقيمة 80.9 مليون دولار (1.4 مليار جنيه) بالإضافة إلى تسهيلات بالجنيه المصري بقيمة 250.1 مليون جنيه. هذه التسهيلات تم منحها لشركات وأفراد متعثرين، ما أدى إلى تراكم خسائر هائلة على المصرف.
الأدهى من ذلك، أن العضو المنتدب وافق على منح قروض لشركة سياحية رغم تدهور أوضاعها المالية، وأعطى مخصصات إضافية بقيمة 9.7 مليون جنيه بنظام الخصم على الدخل، دون أي ضمانات أو دراسة مالية سليمة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية التي يعيشها المصرف.
تعارض مصالح وشبهة غسيل أموال
من أخطر ما كشفه التقرير هو تورط العضو المنتدب في شبهات غسيل أموال واضحة، حيث قام بفتح حسابات لعملاء أجانب، خصوصاً ليبيين، وقام بتحويلات مالية ضخمة إلى الخارج دون أي توثيق أو ضمانات قانونية.
الأدهى من ذلك أن جزءاً من هذه الأموال دخل في حسابه الشخصي، ثم أعاد تحويلها إلى جهات خارجية مجهولة، ما يشير إلى أن هذه العمليات ربما كانت جزءاً من شبكة لغسيل الأموال.
كما قام العضو المنتدب بتعديل شروط تسهيلات ائتمانية لعدد من العملاء بما يتعارض مع القوانين المعمول بها في المصرف، وتم تحويل جزء من القروض التي منحها إلى مؤسسات خارجية غير معلومة، ما يعكس استغلالاً فاضحاً لأموال المودعين لتحقيق مصالح شخصية.
إهدار أموال المودعين والمساهمين
الأمر لا يقتصر على سوء الإدارة والتحايل، بل شمل إهداراً صارخاً لأموال المودعين والمساهمين. فقد كشف التقرير أن العضو المنتدب للمصرف العربي الدولي وافق على منح 5 شركات تابعة لمجموعة القلعة قروضاً بقيمة 180 مليون جنيه، لاستخدامها في شراء أسهم من شركات شقيقة وسداد مديونيات مستحقة، لكن دون وجود أي ضمانات لسداد هذه القروض.
الأكثر خطورة أن جزءاً من هذه الأموال تم تحويله إلى مؤسسات خارجية غير معروفة، في حين استمر العضو المنتدب في تصنيف مجموعة القلعة ضمن الجهات المقترضة المنتظمة، رغم عدم سداد الديون المستحقة عليها.
فساد إداري وإهدار المال العام
كشفت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن فساد إداري واسع النطاق في المصرف العربي الدولي، حيث تورط نائب رئيس المصرف في بيع فرع للبنك في الجيزة بأقل من قيمته الفعلية، مما أدى إلى إهدار أموال ضخمة من أموال المودعين.
كما وقع على تسهيلات ائتمانية لمجموعة القلعة دون الحصول على تفويض من لجنة الإدارة العليا، في تجاوز واضح لصلاحياته.
تقاعس الجهات الرقابية والحكومية
رغم كل هذه الفضائح والتجاوزات، لم تتحرك الجهات الرقابية أو الحكومة المصرية بالشكل المطلوب لمحاسبة المتورطين في هذه الجرائم المالية الكبرى.
فبينما أصدر الجهاز المركزي للمحاسبات تقريراً مفصلاً يطالب فيه بإجراء تحقيقات عاجلة وتشكيل لجان رقابية من البنك المركزي للتحقيق في المخالفات، كانت ردود الفعل من الجهات الحكومية بطيئة وغير كافية.
بدلاً من اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية أموال المودعين والمساهمين، تباطأت الحكومة المصرية في محاسبة المتورطين، وكأنها تتعمد التستر على هذا الفساد المستشري.
هذا التقاعس يطرح تساؤلات خطيرة حول مدى التواطؤ الذي قد يكون قائماً بين كبار المسؤولين في القطاع المصرفي وبعض الجهات الحكومية.
مطالب بمحاسبة المتورطين واستعادة الأموال
في ظل هذا الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع المصرفي، يطالب الجهاز المركزي للمحاسبات بسرعة التحرك لمحاسبة المتورطين في هذه الفضيحة المالية الكبرى.
فالأموال التي تم إهدارها والتي بلغت 11 مليار جنيه تمثل ضربة قاسية للاقتصاد المصري، ويجب استعادتها بأسرع وقت ممكن لحماية أموال المودعين وحملة الأسهم.
إن فضيحة البنك العربي الإفريقي الدولي والمصرف العربي الدولي تعكس حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة المالية، وتؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمحاربة هذا الفساد قبل أن يتفاقم الوضع بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
ضرورة التحرك الفوري لإنقاذ الاقتصاد المصري
إن الجهاز المركزي للمحاسبات قد قدم تقريراً مفصلاً بالأرقام والدلائل حول هذا الفساد المستشري، ويجب على الحكومة المصرية أن تتحرك بشكل فوري لمحاسبة المتورطين واستعادة الأموال المهدرة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط