أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن 74% من المواطنين الإسرائيليين يدعمون إبرام صفقة شاملة لإعادة جميع الأسرى، حتى لو تطلب ذلك وقف القتال الدائر في قطاع غزة.
هذه النسبة المرتفعة تعكس رغبة إسرائيلية قوية في إنهاء هذا الملف الحساس، الذي يشكل أحد أكبر جوانب الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس. ويأتي هذا الاستطلاع في وقت تشهد فيه المفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين الطرفين تعقيدات كبيرة.
تسعى إسرائيل من خلال هذه المفاوضات لاستعادة أسراها من الجنود والمدنيين المحتجزين لدى حركة حماس، بينما تركز حماس على تحقيق مكاسب ملموسة، خصوصًا الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. إلا أن التباينات العميقة بين مطالب الطرفين تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي.
حماس ترفض التنازل عن كبار الأسرى والقادة
صرّح أحد المسؤولين البارزين في حركة حماس، والذي رفض الكشف عن هويته، أن إسرائيل لا تزال ترفض حتى الآن الإفراج عن كبار الأسرى الفلسطينيين والقادة البارزين داخل السجون.
وأشار المسؤول إلى أن الجانب الإسرائيلي يتمسك بموقفه الرافض لإطلاق سراح هؤلاء القادة، ويسعى بدلاً من ذلك إلى ترحيل الأسرى ذوي الأحكام الطويلة إلى خارج فلسطين. وهو ما تعتبره حماس خطًا أحمر، حيث تصر على أن يتم تخيير الأسرى بشكل فردي بشأن مصيرهم.
وتشمل هذه الشروط التي تطالب بها حماس أسماء قيادات بارزة في الحركة، مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وهما من أبرز الشخصيات الفلسطينية المعتقلة داخل السجون الإسرائيلية.
تطالب حماس بأن يشمل أي اتفاق تبادل إطلاق سراح هؤلاء القادة، الذين يعتبرون رموزًا للنضال الفلسطيني.
إسرائيل تسعى لاتفاق غير مكتوب وحماس تطالب بضمانات دولية
أضاف المسؤول في حماس أن الحكومة الإسرائيلية تسعى للتوصل إلى اتفاق غير مكتوب، مشابه للاتفاقات التي جرت في الحروب السابقة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
وتهدف إسرائيل من خلال هذه الاستراتيجية إلى تجنب التزامات قانونية طويلة الأمد قد تضعف موقفها على الساحة الدولية أو تمنعها من التهرب من بعض بنود الاتفاق في المستقبل.
إلا أن حماس ترفض بشكل قاطع هذه الصيغة، وتطالب بوجود اتفاق مكتوب يتضمن ضمانات دولية، لضمان التزام إسرائيل بتنفيذ كامل مراحل الاتفاق.
وتعتبر الحركة أن أي اتفاق غير مكتوب سيكون عرضة للتنصل الإسرائيلي، كما حدث في تجارب سابقة. هذا الطلب يعكس انعدام الثقة بين الجانبين ويعكس كذلك مدى تعقيد هذه المفاوضات.
نقاط تفتيش إسرائيلية على طريق الرشيد: حجر عثرة آخر
في سياق آخر من المفاوضات، أشار المسؤول الحمساوي إلى أن حماس ترفض وجود أي نقاط تفتيش إسرائيلية على طول طريق الرشيد، أحد أهم الطرق في غزة، والذي يربط القطاع ببعض مراكز الخدمات والبضائع الرئيسية.
وتطالب الحركة بإزالة هذه النقاط كجزء من أي اتفاق لتبادل الأسرى، حيث تعتبرها تدخلاً إسرائيليًا سافرًا في حرية حركة الفلسطينيين داخل قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك، تطالب حماس بتسليم الأسرى الإسرائيليين المدنيين والنساء، وبينهم ثلاث مجندات، وهم أسرى احتجزتهم حماس في السنوات الأخيرة.
كما تشمل المطالب تسليم جثث المدنيين الإسرائيليين الذين قتلوا خلال القتال الدائر بين الطرفين. تقترح الحركة أن يتم تسليم هؤلاء الأسرى عبر نقاط يتم الاتفاق عليها مسبقًا، أو عبر معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، والذي يعتبر المعبر الرئيسي في عمليات تبادل الأسرى السابقة.
دور الصليب الأحمر وتدخل الطواقم الإسرائيلية
أوضح المسؤول أن الصفقة المرتقبة لتبادل الأسرى ستتطلب تدخل الصليب الأحمر الدولي، الذي سيلعب دور الوسيط والمشرف على عملية تبادل الأسرى بين الطرفين.
بعد أن يقوم الصليب الأحمر بتولي هذه المهمة، من المتوقع أن يتدخل طاقم إسرائيلي متخصص لفحص الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم تسليمهم لإسرائيل، قبل نقلهم بشكل رسمي إلى الأراضي الإسرائيلية.
وتعتبر هذه الخطوة مهمة لضمان سلامة الأسرى وإتمام الصفقة بنجاح، حيث أن أي إخفاق في هذا الجانب قد يعقد المفاوضات بشكل أكبر أو يؤدي إلى انهيارها بشكل كامل.
انعكاسات الصفقة على المشهد السياسي الإسرائيلي والفلسطيني
من المتوقع أن تحمل هذه الصفقة، في حال إتمامها، انعكاسات سياسية وأمنية كبيرة على المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني.
ففي إسرائيل، قد تتعرض الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء لانتقادات واسعة من المعارضة والجمهور إذا تضمنت الصفقة الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام الثقيلة.
حيث تعتبر قطاعات كبيرة من الإسرائيليين أن إطلاق سراح هؤلاء الأسرى يشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا على إسرائيل، وقد يؤدي إلى استئناف الهجمات المسلحة.
من جهة أخرى، إذا نجحت حركة حماس في تحقيق مطالبها، فإن ذلك سيشكل انتصارًا كبيرًا لها على الصعيد السياسي والعسكري.
ستتمكن الحركة من استعادة عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك قادة بارزون، مما سيعزز موقفها الداخلي في غزة ويزيد من شعبيتها بين الفلسطينيين.
التحديات أمام إتمام الصفقة
على الرغم من الدعم الشعبي الإسرائيلي الذي أظهره استطلاع معاريف، والذي يشير إلى تأييد 74% من الإسرائيليين لإتمام صفقة شاملة، إلا أن التحديات لا تزال قائمة.
ففي ظل إصرار كل طرف على تحقيق أكبر قدر من المكاسب، يبدو أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات التي قد تؤخر أو حتى تفشل التوصل إلى اتفاق نهائي.
من أبرز هذه العقبات هو موقف الحكومة الإسرائيلية التي تواجه ضغوطًا من الداخل والخارج. فبينما يسعى بعض المسؤولين لإتمام الصفقة لأسباب سياسية وأمنية، ترى قطاعات أخرى من المجتمع الإسرائيلي أن أي تنازل سيؤدي إلى تعزيز قوة حماس وإضعاف الموقف الإسرائيلي في المنطقة.
بالمقابل، تواجه حماس تحديات داخلية أيضًا، حيث لا يمكنها تقديم تنازلات دون تحقيق مكاسب ملموسة تسهم في تعزيز سلطتها في غزة وتلبية طموحات الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ظروف قاسية نتيجة الحصار والحرب.
ويظل ملف تبادل الأسرى أحد أكثر الملفات تعقيدًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبينما يعكس استطلاع معاريف تأييدًا واسعًا لدى الإسرائيليين لإتمام صفقة شاملة، إلا أن الطريق نحو إتمام هذا الاتفاق يظل محفوفًا بالمخاطر والعراقيل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط