أبوظبي: مهند داغر
تعتبر توزيعات الأرباح النقدية مكافأة للمساهمين الذين يحتفظون بأسهم الشركة، ومن الأدوات المفيدة للإدارة المالية للشركات، وفاجأت «إعمار العقارية» مساهميها والأسواق بإعلانها اعتماد سياسة طويلة الأجل لتوزيع الأرباح على المساهمين، وقرارها توزيع نسبة 100% من رأس المال بما قيمته 8.8 مليار درهم (ما يعادل 1 درهم لكل سهم) من رأس المال عن عام 2024 والأعوام القليلة التالية، فهل تقود خطوة «إعمار العقارية» إلى مراجعة شاملة لتوزيعات الشركات؟
اعتبر محللون استطلعت «الخليج» أراءهم أن توزيعات إعمار إيجابية جداً، وسيكون لها أثر مهم على المستثمر وسعر السهم في المستقبل القريب، مرجحين أن تعلن شركات أخرى عن رفع نسب التوزيعات بنسب عالية، خاصة التي لديها أرباح مدورة تتجاوز رؤوس أموالها.
ورأى المحللون أن الشركات التي يتجاوز عمرها 15 عاماً بإمكانها اتخاذ خطوة مماثلة ل«إعمار العقارية»، وخصوصاً تلك التي لديها الملاءة المالية لتوزع أرباح تصل إلى 100% من رأسمالها.
وأوضحوا أن رفع التوزيعات يخلق ثقة عالية بحجم أعمال الشركات، فضلاً عن تمسك المستثمرين بأسهم الشركات في ظل مكررات ربحية معقولة، إلى جانب خلق طلب على الاستثمار الأجنبي، واستقرار في السهم بعيداً عن عمليات المضاربة.
نضج الأرباح
قال محمد علي ياسين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «أوراكل» للاستشارات المالية والاستثمارية: «قرار «إعمار العقارية» إيجابي بشأن التوزيعات، حيث وصلت الشركة إلى مرحلة نضج في الأرباح، مع تزايدها سنوياً بنسب أكبر من رأس المال، موضحاً أنه في الماضي كانت الشركات تحافظ على الأرباح المدورة ومن ثم تعيد تشغيلها في السوق، والواضح أن «إعمار» ترى في هذه المرحلة نمواً مستمراً في أرباحها، وبالتالي وحاجتها إلى الرصيد المتراكم قد يكون أقل، وفي المقابل فإن توزيعاتها على المساهمين، سيكون له أثر إيجابي جداً على الأسواق وعلى سعر السهم أيضاً.
ورأى ياسين أن قرار «إعمار العقارية» لا ينفصل في السياق عن القرار المفاجئ لبنك الإمارات دبي الوطني العام الماضي والذي وزع 1.2 درهم للسهم عن العام 2023.
وأضاف ياسين: «قرار رفع نسب التوزيعات، يأتي في سياق مراجعات تقوم بها الإدارات المالية للشركات، مع دخول عوامل جديدة إلى الأسواق ومنها موضوع ضريبة الدخل على الشركات، فضلاً عن الفائدة المرتفعة في البنوك. والتوزيعات من شأنها رفع سعر السهم وهذا إيجابي للمساهم والشركة».
وأكد ياسين أهمية قرار رفع نسب التوزيعات لدى شركة إعمار، مضيفاً أن معظم الشركات التي أصبحت أرباحها تتجاوز رأسمالها بكثير عليها النظر إلى هذا الموضوع بجدية، مشيراً إلى أن الخطوة الإيجابية التي قام بها بنك الإمارات دبي الوطني برفع نسب التوزيعات 120% السنة المالية 2024، (100% من رأس المال +20% أرباح استثنائية)، مرجحاً أن تنضم العديد من الشركات إلى رفع نسب التوزيعات».
سعر السهم
تابع ياسين «توزيع من 50 إلى 60% من صافي الربح ليس هو الحل، لأن المبلغ المتبقي ستكون عليه كلفة، ولذلك من الأفضل للشركات أن تعيد النظر في حجم الأرباح المدورة».
ورأى ياسين أن الشركات التي بإمكانها رفع نسب التوزيعات، بعض البنوك التي لديها أرباح مدورة أكثر من رؤوس أموالها وتحقق أعلى من رأس المال.
ولفت ياسين إلى اعتماد عدد من الشركات ذات العوائد التقليدية سياسات توزيعات ومنها «إي آند».
عنصر جاذب
بدوره، قال المحلل المالي وضاح الطه: «التوزيعات عنصر جاذب، بل هو أحد أهم محاور الاستثمار في الأسهم خصوصاً طويل الأمد، ولاسيما أن المستثمر يهتم بفقرة التوزيعات الدورية والنمو في سعر السهم».
وأضاف «كان يؤخذ على إعمار العقارية سابقاً شح التوزيعات، لكن مع انتقالها من مرحلة النمو إلى النضج، أصبحت تحافظ على سيولة كافية وقدرة على إدارة التدفقات النقدية وترغب في مكافأة مساهميها، وهذا من شأنه خلق طلب قادم على السهم بسبب التوزيعات».
وأوضح الطه أنه إذا تم رفع سعر السهم بالتالي تستطيع الشركة من خلال قيمتها السوقية العالية الحصول على قروض بفوائد أقل من الشركات الأخرى، علماً أن إعمار العقارية لديها محاور أساسية تتمثل في قدرتها على التسويق والترويج في أسواق عالمية، إلى جانب نجاحها في السيطرة على التكاليف، وبناء على ذلك باتت الشركة قادرة على تحقيق ربح ممتاز.
جُرأة ونضج
وقال الطه «من الصعب مجاراة هذه الجرأة لشركة إعمار خصوصاً في القطاع العقاري.. لكن هذا سيدعو إلى قراءة الرؤية للشركات والتوقعات المستقبلية، وقد يكون هناك تعديلات لبعض الشركات التي ترغب في مكافأة مساهميها لكنه منحصر في بعضها ويبدو أن بعض البنوك مرشحة لمثل هذه الخطوة خصوصاً إذا كان ينظر إلى المؤسسات الحكومية المساهمة فيها، وبالتالي تشكل رافداً مهماً قد يأخذ السوق إلى مستوى آخر».
وتابع «إعمار وضعت الشركات الأخرى في عملية مراجعة، خاصة أن بعضها لديها خطط توسع تعتمد من خلالها على تمويل داخلي من شأنه تقليل توزيعات الأرباح أو تمويل خارجي يخلق التزامات واجبة السداد وبالتالي يمتص من سيولة الشركة الأمر الذي يصعب عليها زيادة نسب التوزيعات بناء على هذه العوامل».
وذكر الطه أن زيادة التوزيعات تعتمد على نوعية الشركة، مرحلة النضج، خطط التوسع، داعياً إلى أن تضع الشركات في نصب أعينها إقرار توزيعات ربعية وعدم الاكتفاء بالنصف سنوية أو سنوية، «لأن هذه الخطوة تخلف ثقة عالية بحجم أعمال الشركة، فضلاً عن تمسك المستثمرين بسهمها في ظل مكررات ربحية معقولة، إلى جانب خلق طلب على الاستثمار الأجنبي، واستقرار في السهم بعيداً من عمليات المضاربة».
مفاجآت
قال المحلل المالي وائل محيسن «البنوك الأكثر حظاً في رفع نسب التوزيعات، خاصة مع ارتفاع الفوائد وارتفاع إيرادات الفوائد في الكشوفات الرسمية، وهناك أداء مميز لبعض الشركات، وقد تقود نحو مفاجآت في عملية التوزيعات خلال الأيام القادمة».
وأكد محيسن أن رفع نسب التوزيعات تؤثر إيجاباً على سلوك المستثمر، وتقلل من عمليات المضاربة وتزيد من الاستثمار طويل الأمد والرغبة في الاحتفاظ بالسهم لفترة طويلة، كما يجب على الشركات أن تفكر في التوزيعات نصف السنوية نظراً لأهميتها في إعادة تدوير سيولة الأسهم، خلال فترات تكون فيها التداولات قليلة خلال بعض فترات السنة، مما يسهم ذلك في تنشيط أداء السوق».
وبين محيسن أن «التوزيعات الجيدة لدى الشركة تخفف من عمليات البيع لما لذلك من أهمية في تعديل السعر السوقي للسهم، وتخفيف الانخفاضات بأسعار الأسهم».
ولفت محيسن إلى أن «جزء من سيولة التوزيعات يضخ في قطاعات مختلفة في الاقتصاد الوطني، وزيادة نسبها يعني مزيداً من النمو في الاقتصاد وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى السوق وتعزيز ثقة المتداولين ومن المتوقع مشاهدة سيولة إضافية نوعية تتدفق أعلى من الحالية».