د. رامي كمال النسور*
في عام 2018، وخلال فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألمنيوم، وكان هدفه حسب ما ذكر هو تعزيز الناتج الأمريكي من خلال جعل المواد الأجنبية أكثر كلفة للمشترين الأمريكيين، لكن في نهاية المطاف تم إعفاء العديد من الموردين الرئيسيين بما في ذلك كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي. وبعد انتخابه مرة أخرى وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جديدة بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم، والتي تقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار في عام 2024، هذه الرسوم ستدخل حيز التنفيذ في 12 مارس/آذار.
وحسب شبكة «بلومبيرغ» فإن أكبر 10 مصدّرين للألمنيوم للولايات المتحدة من حيث القيمة من الواردات الأمريكية في العام 2024، وفق بيانات وزارة التجارة الأمريكية هي كندا 9.5 مليار دولار، الإمارات 1.1 مليار دولار، المكسيك 686.2 مليون دولار، كوريا الجنوبية 643.7 مليون دولار، الصين 507.8 مليون دولار، البحرين 488.7 مليون دولار، الأرجنتين 459.5 مليون دولار، جنوب إفريقيا 383.6 مليون دولار، أستراليا 273.3 مليون دولار، الهند 270.9 مليون دولار.
وفي العام 2018عندما فرض ترامب رسوماً جمركية على واردات الألمنيوم بموجب المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962، كان يشير إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي. وإلى تعزيز الإنتاج المحلي للألمنيوم، والحد من الاعتماد على الواردات الأجنبية، وخلق فرص العمل في صناعة الألمنيوم الأمريكية. ومع ذلك، كان لهذه الخطوة عواقب اقتصادية وجيوسياسية بعيدة المدى، وخاصة بالنسبة للدول المصدرة للألمنيوم.
وهذه التأثيرات كانت كما يلي:
كندا: بصفتها أكبر مصدّر للألمنيوم إلى الولايات المتحدة، تضررت بشدة في البداية بسبب الرسوم الجمركية بنسبة 10٪. - ردت الحكومة الكندية بفرض رسوم جمركية مضادة على السلع الأمريكية، مما أدى إلى توترات تجارية مؤقتة بين الحليفين. ومع ذلك، تم رفع الرسوم الجمركية لاحقاً في عام 2019 بعد المفاوضات.
الصين: كانت رسوم ترامب الجمركية جزءاً من حرب تجارية أوسع نطاقاً مع الصين. أدت الرسوم الجمركية إلى خفض صادرات الصين من الألمنيوم إلى الولايات المتحدة، مما أجبر الشركات الصينية على استكشاف أسواق بديلة والاستثمار في صناعات الألمنيوم اللاحقة. كما ردت الصين بفرض رسوم جمركية خاصة بها على السلع الأمريكية.
الاتحاد الأوروبي: اعتبر الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية غير مبررة وردّ بفرض رسوم جمركية على السلع الأمريكية، مما زاد من إجهاد العلاقات التجارية عبر الأطلسي. كما سعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز إنتاج الألمنيوم المحلي والحد من الاعتماد على الأسواق الأمريكية.
روسيا والشرق الأوسط: واجه مصدرو الألمنيوم الروس والشرق الأوسط، وخاصة الإمارات والبحرين، صعوبة في وصولهم إلى السوق الأمريكية. ومع ذلك، تفاوضت بعض الدول، مثل الإمارات، ونجحت في الحصول على الإعفاءات، مما خفف من تأثير هذا القرار.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد واجهت هي أيضاً تبعات لهذا القرار وهو ما يتوقع أن تواجهه مرة أخرى الآن في 2025 وما بعده، فمن ناحية ستجد الصناعات الأمريكية زيادة التكاليف ففي حين كانت الرسوم الجمركية تهدف إلى دعم منتجي الألومنيوم الأمريكيين، إلا أنها أدت أيضاً إلى زيادة التكاليف على الصناعات التي تعتمد على الألمنيوم، مثل صناعة السيارات والفضاء والبناء. واضطر المصنّعون الأمريكيون إلى دفع أسعار أعلى مقابل الألمنيوم، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج واحتمال فقدان الوظائف في الصناعات اللاحقة.
ومن ناحية أخرى أعادت العديد من الدول المصدرة للألمنيوم توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى، مثل أوروبا وآسيا، للتعويض عن فقدان الطلب الأمريكي. وقد أدى هذا إلى تحولات في تدفقات التجارة العالمية واتفاقيات تجارية جديدة بين الدول المنتجة للألمنيوم. كما فرضت الدول المتضررة من الرسوم الجمركية تدابير مضادة على الصادرات الأمريكية، مما أثّر في المزارعين والشركات المصنعة والشركات الأمريكية التي تعتمد على التجارة العالمية.
في الختام كان للتعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الألمنيوم تأثير كبير على التجارة العالمية، مما أثّر في الدول المصدرة للألمنيوم والصناعات الأمريكية والعلاقات الاقتصادية الدولية الأوسع. ورغم أن هذه التعريفات الجمركية كانت تهدف إلى تعزيز قطاع الألمنيوم المحلي، فإن العواقب غير المقصودة، مثل ارتفاع التكاليف بالنسبة للمصنعين الأمريكيين والتدابير الانتقامية من جانب دول أخرى، أدت إلى اضطرابات اقتصادية. وتستمر التأثيرات الطويلة الأجل لهذه التعريفات الجمركية في تشكيل ديناميكيات التجارة العالمية للألمنيوم والمناقشات السياسية حول الحمائية مقابل التجارة الحرة. والآن وفي ظل قرارات ترامب الجديدة في عهده الحالي فإن كل ما جاء أعلاه سيتكرر وإن كان بنسب ودرجات مختلفة.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة
