قال محمد العريان، رئيس كلية كوينز في كامبريدج ومستشار «أليانز» و«غراميرسي»: «شهدت على مدار مسيرتي المهنية تطوراً كبيراً في الكيفية التي حاول بها خبراء الاقتصاد والمشاركون في السوق وصناع السياسات تأطير البلدان غير المصنفة على أنها اقتصادات متقدمة، فبعد أن كان يُشار إليها قبل عقود من الزمان بدول العالم الثالث، والبلدان الأقل نمواً، باتت اليوم اقتصادات نامية وناشئة، ومؤخراً صُنفت تحت المفهوم الأوسع لـ الجنوب العالمي».
واعتبر العريان في في مقال لـ«فاينانشال تايمز» أن «التحولات في الاقتصاد العالمي لا تؤدي إلى تآكل الفائدة التحليلية لمثل هذا النهج فحسب؛ بل قد تجعله ضاراً أيضاً»، مشيراً إلى أن «في بعض البلدان، أدى ذلك إلى تفكير سياسي مضلل، فضلاً عن تطلعات غير واقعية للقوة التفاوضية والاستقلال الاستراتيجي».
رسوم ترامب
وأضاف: «لقد انقلب النظام الدولي رأساً على عقب، والاتجاهات البنيوية الموحدة مثل التجارة العالمية المتزايدة والتكامل المالي يجري تقويضها بسبب التفتت. كما شكلت رسوم ترامب الجمركية على الصين، والخطوات المماثلة المؤجلة الآن ضد المكسيك وكندا، أحدث تصعيد في هذه العملية».
وتابع: «بحسب آخر توقعات البنك الدولي للاقتصاد العالمي لعام 2025، يتعين على الاقتصادات الأقل ثراء أن تبحر في اقتصاد عالمي عرضة لصدمات خارجية أكثر تواتراً وعنفاً، في وقت تحتاج فيه البلدان إلى إعادة ترتيب أوراقها للاستفادة من ابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي».
وقال العريان: «في مثل هذه البيئة، ستثبت المشاكل الفردية والجماعية أنها أكثر صعوبة في الحل. وهذا يتطلب مقاومة التفكير الخيالي بشأن التجمعات الجديدة والاستقلال الاستراتيجي».
برنامج «الخبراء الاقتصاديين»
وأضاف: «عندما انضممت لأول مرة إلى برنامج «الخبراء الاقتصاديين» التابع لصندوق النقد الدولي في عام 1983، تلقيت تدريباً حول أهمية مبدأين تشغيليين قد يبدوان متناقضين للوهلة الأولى: توحيد المعاملة لجميع البلدان الأعضاء، والسعي إلى اتباع نهج يتعامل مع كل حالة على حدة. وكان الهدف هو ضمان أن يكون الالتزام بالمبادئ الشاملة المهمة، من منظور أعلى إلى أسفل، مصحوباً بنهج تفصيلي ومخصص يعكس الاختلافات من أسفل إلى أعلى. وعلى نحو مماثل، سعى استخدام مصطلح «الجنوب العالمي» إلى التقاط السمات المشتركة مع إفساح المجال للاختلافات المهمة بين البلدان. ويرى البعض أن المصطلح أداة توحيدية لتحقيق الأهداف المشتركة، ومظلة لمجموعات مثل مجموعة بريكس».
وأشار إلى أن «القدرة على تعزيز جهود التنمية المحلية من خلال التكامل الاقتصادي والمالي العالمي الوثيق تفرملها معوقات تدفقات التجارة والاستثمار، وقلة احترام سيادة القانون. كما يعمل الضعف الحالي للمؤسسات متعددة الأطراف على تقويض حل النزاعات بين البلدان ومتانة تدابير الدعم، بما في ذلك آليات التأمين المشتركة لمعالجة قضايا مثل أعباء الديون والضعف في مواجهة تغير المناخ».
ارتفاع قيمة الدولار
ورأى العريان أنه «من غير الواضح أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتسامح مع ارتفاع قيمة الدولار في الأمد البعيد بصفته مسهماً منظماً في إعادة تشكيل العالم، ما يعني أن البلدان الأقل ثراء قد تتمتع بميزة عملة أقل في المستقبل»، لافتاً إلى أن «كل هذا يأتي في وقت، حيث من المتوقع، وفقاً للبنك الدولي، أن تنهي مثل هذه الاقتصادات الربع الأول من هذا القرن بأضعف توقعات النمو طويل الأجل منذ أكثر من عقدين من الزمان».
وقال: «إن فكرة أن مجموعة كبيرة من هذه البلدان يمكنها، في الاستجابة للتهديدات الفعلية والمحتملة، تحقيق الاستقلال الاستراتيجي والازدهار بسرعة غير واقعية. لا يتعلق الأمر فقط بالخيارات الجيوسياسية التي ستُفرض على الكثير منها، باستثناء حفنة من الدول التي تتمتع بخصائص تسمح لها بأن تكون دولاً متأرجحة؛ بل هو مرتبط بالتفتت البنيوي للنظام الدولي الذي سيؤدي إلى زيادة عدد تحالفات المصلحة المتغيرة، وبالنسبة للبعض، التهميش الخطِر».
وتابع: «وعليه، تحتاج البلدان بشكل فردي إلى اختيار تعديلات سياسية أكثر ملاءمة، ومرونة مالية أقوى، خصوصاً في كيفية الاستجابة للصدمات الخارجية المعاكسة. وسوف تكون هذه الحاجة ماسّة في عالم يفقد اليوم إمكانية التقارب، ويشهد انقسامات كبيرة بين البلدان المتقدمة، وأكبر بين البلدان الأقل ثراء، النامية أو ناشئة».