د. محمد الصياد *
مطلع شهر نوفمبر 2024، مددت وزارة الخزانة الأمريكية تعليق عقوباتها المفروضة على أكبر البنوك الروسية، بالسماح لوحدات القطاع المصرفي بإجراء معاملات مالية مع أكبر البنوك الروسية، وهي: «Sber Bank»، و«Bank» و«VTB»، والبنك المركزي و«Bank» و«Rosbank» وغيرها. في واشنطن يتحدثون عن معاملات تتعلق باستخراج ومعالجة ونقل وشراء النفط ومنتجات النفط والغاز الطبيعي والفحم والأخشاب واليورانيوم ومصادر الطاقة المتجددة. وسيكون التصريح سارياً حتى 30 إبريل 2025.
المثير في الأمر، أن الولايات المتحدة تجبر حلفاءها في الاتحاد الأوروبي على التطبيق الصارم للعقوبات، بينما تعطي لنفسها الحق في الالتفاف عليها. فلا يستطيع اليورو شراء السلع الروسية، بينما تخلق الولايات المتحدة لنفسها ثغرات لمواصلة شراء اليورانيوم الروسي والنفط والأسمدة، وكذلك الغاز الطبيعي الروسي المسال الذي تشتريه من الهند والصين وتعيد بيعه بأسعار مضاعفة لحلفائها في أوروبا. دع عنك «حظر الكونجرس الأمريكي لشراء اليورانيوم الروسي»، فهذا الحظر لن يُطبق لمدة 4 سنوات أخرى على الأقل.
كان الترخيص العام الأصلي رقم 8، الصادر في 24 فبراير 2022، قد تم تعديله مسبقاً لتوسيع قائمة المؤسسات المالية الروسية، وكان من المقرر أن ينتهي في 1 مايو 2024. ويعني مصطلح «متعلق بالطاقة» الوارد في التعديل: استخراج أو إنتاج أو تكرير أو تسييل أو تحويل أو إعادة تحويل أو تخصيب أو تصنيع أو نقل أو شراء البترول، بما في ذلك النفط الخام والمكثفات المستأجرة والزيوت غير المكتملة وسوائل الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي والمنتجات الأخرى القادرة على إنتاج الطاقة، مثل الفحم أو الخشب أو المنتجات الزراعية المستخدمة في تصنيع الوقود الحيوي أو اليورانيوم بأي شكل من الأشكال، إضافة إلى تطوير أو إنتاج أو توليد أو نقل أو تبادل الطاقة، من خلال أي وسيلة، بما في ذلك مصادر الطاقة النووية والحرارية والمتجددة.
علماً بأن روسيا هي في الواقع المورّد الاحتكاري (بنسبة تفوق 85%) لوقود اليورانيوم المستعمل لمعظم محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة.
ولن تتمكن الولايات المتحدة من الاستغناء عن هذا الوقود حتى السنتين المقبلتين على الأقل.
فصناعة الطاقة النووية في الولايات المتحدة تعتمد على اليورانيوم الروسي المعالج لمفاعلاتها النووية. كما توفر روسيا للصناعة الأمريكية خدمات تخزين النفايات والتخلص منها.
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد وقع في 13 مايو 2024، على القانون رقم 1042، لحظر استيراد اليورانيوم الروسي.
وقد دخل القانون حيز التنفيذ في 11 أغسطس 2024. لكن القانون خوّل وزير الطاقة التشاور مع وزير الخارجية ووزير التجارة، للتنازل عن الحظر والسماح باستيراد اليورانيوم الروسي في حال عدم توفر البديل. ويمتد هذا الإعفاء حتى الأول من يناير 2028.
كما قادت أمريكا في ديسمبر 2023، تحركاً مع فرنسا وبريطانيا واليابان وكندا لترتيب استثمارات بقيمة 4.2 مليار دولار لإنشاء سوق عالمية مرنة لإمدادات اليورانيوم بعيدة عن النفوذ الروسي. لكن إصدار بايدن للقانون شكّل خرقاً لتلك الشراكة.
الرئيس فلاديمير بوتين أبلغ اجتماعاً حكومياً في 11 سبتمبر 2024، أن موسكو يجب أن تفكر في الحد من صادرات اليورانيوم والتيتانيوم والنيكل رداً على العقوبات الغربية.
ويبدو أن تشريع الحكومة الروسية هو أول إجراء متابعة لبيان بوتين في سبتمبر. ويوم الجمعة 15 نوفمبر 2024، أصدرت الحكومة الروسية تشريعاً فرضت بموجبه قيوداً على تصدير اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة، ما قد يتسبب في مشاكل إمدادات لمحطات الطاقة النووية الأمريكية التي تؤمّن بنسبة 35% حاجة مفاعلاتها النووية من اليورانيوم المخصب من روسيا، وتنتج 20% من الطاقة الكهربائية الأمريكية الإجمالية (بحسب بلومبيرغ). جاء ذلك، كما قالت الحكومة الروسية، رداً على حظر واشنطن لواردات اليورانيوم الروسي، بموجب قانون شرعه الكونجرس ووقعه بايدن في مايو 2024، وإن تضمّن القانون الأمريكي إعفاءات تسمح باستمرار استيراد اليورانيوم من روسيا حتى عام 2027.
وقد بلغت واردات الولايات المتحدة من اليورانيوم الروسي المخصب حتى يوليو 2024,313050 كيلوجراماً.
روسيا هي سادس أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وتحوز نحو 44% من قدرة تخصيب اليورانيوم العالمية. في عام 2023، تصدرت الولايات المتحدة والصين قائمة مستوردي اليورانيوم الروسي، تلتهما كوريا الجنوبية وفرنسا. كما أن روسيا وبوركينا فاسو تمتلكان خام اليورانيوم الأكثر نقاءً في العالم. وتتطلب الخيارات الأخرى التي تبحث عنها أمريكا (لهذين الصنفين)، ما يزيد على خمسة أضعاف الطاقة اللازمة لإنتاج نفس الناتج المكرر لهما.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية