د. محمد الصياد*
الفجوة المتسعة بين الخطاب المناخي العالي لكتلة التفاوض الأوروبية والوفاء بالتزاماتها تجاه قضيتي المناخ الرئيسيتين: التمويل والتكيف، بدأت تتضح أكثر فأكثر ومن بين تجسداتها عدم تمكّن صندوق الأمم المتحدة للتكيف المكرس لتمكين الدول الأعضاء من بناء قدراتها اللازمة للصمود قبالة التقلبات المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى سطح البحر، من تأمين سوى مساهمات ضئيلة لا تتجاوز 61 مليون دولار، مقابل هدفه السنوي البالغ 300 مليون دولار، وذلك على الرغم من تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للدول الغنية في بداية أشغال مؤتمر الأطراف «COP29»، من مغبة الفشل في سد الفجوة الهائلة في تمويل التكيف، التي قد تصل إلى 359 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
دليل آخر على تواضع وهشاشة موضوع التمويل الذي لا تدانيه الدول الأوروبية الأطراف في اتفاقيات المناخ، يتمثل في أن أقل من 5% من تمويل المناخ فقط يمر عبر صناديق المناخ فيما يمر معظمه إما من حكومة إلى حكومة، بواسطة وكالات المعونة مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أو عبر البنك الدولي. لذلك تفضل الدول النامية ترتيب التمويل عن طريق صناديق المناخ مثل صندوق المناخ الأخضر الذي يوزع تمويلات المناخ على الدول النامية كمنح، على عكس البنك الدولي الذي دخل عنوة على قضايا المناخ كمرفق منظِّم للتمويل.
في بيان مجموعة العشرين التي عقدت اجتماعها السنوي تزامناً مع مؤتمر الأطراف في باكو، نجحت الدول النفطية في استبعاد صيغة «الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري» التي وردت في وثائق مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين. كما اتفق قادة المجموعة على نص يذكر المساهمات الطوعية للدول النامية في تمويل المناخ، وعدم تسميتها بالالتزامات. وهو تنازل مماثل قدمه في مؤتمر المناخ في باكو مفوض العمل المناخي في الاتحاد الأوروبي، فوبكي هوكسترا، حين أكد أن الاتحاد الأوروبي منفتح على الدول النامية الثرية لتقديم مساهمات تمويل طوعية، دون الحاجة إلى تغيير تصنيفها الاقتصادي الرسمي. لكن الاتحاد الأوروبي، والدول الغربية عموماً، رفضوا مطالبة المؤتمر لهم بتحديد المبلغ الذي يجب أن يكون هدف تمويل المناخ بعد عام 2025. لكن نقاشاتهم التي جرت خلف الأبواب المغلقة دارت حول مبلغ تراوح بين 200 و300 مليار دولار سنوياً حتى عام 2035. ولأن الأمر ينطوي على غموض، فقد رفضت وفود الدول النامية، لاسيما الإفريقية، إدراج التمويل الخاص إلى جانب التمويل الحكومي. فقد صرح وزراء زامبيا وسيراليون ونيجيريا وغامبيا وأنجولا، بأن بلدانهم ترفض إدراج الاستثمارات الخاصة في هدف تمويل المناخ، وبأنهم يطالبون بتمويل مناخي عام كتعويض عن سنوات من الظلم الذي تسببت فيه البلدان المتقدمة لاقتصاداتها.
لاحت أجواء المواجهة بين الدول النامية والدول المتقدمة بعد تسرب شائعات في المؤتمر عن أن الدول المتقدمة غير مستعدة للتعهد بأكثر من 200-300 مليار دولار لتمويل المناخ حتى عام 2035. وقد سخرت الدول النامية من هذا التعهد المتواضع، وصممت على موقفها بالحصول على 1.3 تريليون دولار سنوياً. كما أعربت عن قلقها في الجلسة العامة بشأن المحادثات «غير المتوازنة تماماً» بشأن تخفيف آثار المناخ. وقال دييجو باتشيكو من بوليفيا، في قراءة البيان الصادر عن الدول ذات التفكير المماثل في الجلسة العامة، «كل ما نسمعه هو التخفيف والتخفيف والمزيد من التخفيف». وقد واجهت المحادثات بشأن خفض الانبعاثات انقسامات حادة. واضطرت رئاسة مؤتمر الأطراف إلى التدخل بعد أن هددت المملكة العربية السعودية بتأجيلها حتى منتصف العام المقبل. كما تعثرت المفاوضات بشأن الهدف العالمي للتكيف (GGA) بسبب عدم رغبة الدول المتقدمة في توفير التمويل، بالإضافة إلى الافتقار إلى الوضوح بشأن مؤشرات قياس درجة التقدم المتحققة.
الأمر نفسه انسحب على التكيف، حيث انقسمت أطراف التفاوض حول كيفية سد الفجوة الهائلة بين التمويل الحاصل للتكيف والاحتياجات اللازمة لتحقيقه قبالة التغيرات المناخية. وبحسب تقرير فجوة التكيف لعام 2024 الصادر عن الأمم المتحدة، تحتاج البلدان النامية للتكيف مع التغيرات المناخية إلى ما يتراوح بين 215 مليار دولار و387 مليار دولار سنوياً. بينما لم تتجاوز التعهدات التي قدمتها الدول الغنية في عام 2021، لتمويل التكيف بحلول 2025 أربعين مليار دولار.
تم حذف جميع الإشارات إلى الوقود الأحفوري من برنامج العمل للتخفيف من آثار تغير المناخ (Mitigation Work Program - MWP)، وهو جهد غير إلزامي لتعزيز خفض الانبعاثات، بالإضافة إلى خلو البيان الختامي للمؤتمر من أي ذكر للتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري ومضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، وهو ما كان اتُفق عليه في مؤتمر الأطراف السابق الذي استضافته دولة الإمارات في دبي العام الماضي (2023).
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية