دانيال موس*
لطالما توقّع المتشككون نهاية هيمنة الدولار الأمريكي، التي تتيح للولايات المتحدة الاقتراض بمستويات كانت ستنهك أي دولة أخرى. وعلى مدار نصف قرن على الأقل، راهن بعضهم على ظهور قوى جديدة قادرة على إزاحة الأصول الأمريكية من مركزها. لكن لا يبدو أن هذا السيناريو سيتحقق قريباً.
وواجه الدولار تحديات كبيرة على مدار العقود: من التحول إلى أنظمة أسعار الصرف العائمة في السبعينات، إلى إطلاق اليورو، وصعود الاقتصادين الياباني والصيني، إضافة إلى عجز هائل في الميزانية والتجارة. ومع ذلك، استمر الدولار في الصمود.
وغالباً ما يربط المحللون العجز في الميزانية بتوقعات أن الإنفاق الأمريكي سيتجاوز حدوده بشكل كارثي، ما يؤدي إلى انهيار سوق السندات وسقوط الدولار. إلا أن هذه التوقعات لم تتحقق. وعلى سبيل المثال، لم تُحدث لجنة شكلها باراك أوباما لتقديم توصيات للحد من العجز أي تغييرات ملموسة، رغم التحذيرات بأن الولايات المتحدة قد تواجه أزمة ديون على غرار ما حدث في اليونان.
ويكمن الفارق الأساسي في قدرة الولايات المتحدة على طباعة عملتها الخاصة، بعكس اليونان التي واجهت قيوداً نتيجة انتمائها إلى منطقة اليورو. وهذا الامتياز هو ما جعل السندات الأمريكية تظل في مركز النظام المالي العالمي.
ويمتد تأثير الدولار إلى ما هو أبعد من السياسات الرسمية. فهو يشكل الجزء الأكبر من احتياطات النقد الأجنبي عالمياً، ويشارك في نحو 90% من تداول العملات الأجنبية. كما أن معظم القروض عبر الحدود والفواتير التجارية تصدر بالدولار. ورغم التقدم الكبير الذي حققته الصين، إلا أن نصيب عملتها «اليوان» في المدفوعات الدولية لا يزال متواضعاً.
ووفقاً لدراسة أجراها البروفيسور جوشوا هندريكسون من جامعة «ميسيسيبي»، يتمتع النظام المالي الحالي بما يُعرف ب«معيار الخزانة»، الذي يمثل امتداداً لنظام «بريتون وودز» الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. ويتيح هذا النظام للولايات المتحدة جمع الأموال على نطاق واسع لدعم برامجها ومشاريعها، سواء كانت دفاعية أو صحية.
ويمنح هذا الوضع الولايات المتحدة ميزة هائلة، لكنه يثير انتقادات تتعلق بقدرتها على العيش بما يتجاوز إمكاناتها. ورغم تكرار الدعوات لإنهاء هيمنة الدولار، إلا أن البدائل المتاحة لا تزال غير مقنعة. فالصين، رغم قوتها الاقتصادية، تفرض قيوداً صارمة على أسواقها المالية، ما يضعف الثقة باليوان كعملة عالمية.
وحتى مع انتقادات بعض الساسة الأمريكيين مثل الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي أعرب عن عدم رضاه عن قوة الدولار، من غير المرجح أن تتغير مكانته قريباً، إذ تعتمد الدول على الدولار لأنها تجد فيه أماناً وسيولة لا توفرها أي عملة أخرى.
وفي ظل غياب بديل قوي، سيظل الدولار الخيار الأول في النظام المالي العالمي. وربما يكون التهديد الأكبر لهيمنة الدولار هو السياسات الأمريكية نفسها، مثل الإفراط في فرض العقوبات، التي قد تدفع العالم للبحث بجدية عن بديل. ومع ذلك، فإن هذه اللحظة لا تبدو قريبة في الأفق.
الدولار سيستمر في هيمنته، رغم الأمنيات المتكررة بزوالها. وعند التفكير في البدائل، يتضح أن العالم ما زال يعتمد على «العملة الخضراء».
*كاتب عمود (بلومبيرغ)