تعد صناديق الاستثمار، حجر الأساس للتمويل حول العالم، حيث توفر للمستثمرين فرصاً لتنمية ثرواتهم من خلال تشكيل محافظ متنوعة. وبينما تستفيد صناديق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من دعم حكومي قوي، وفرص نمو في بعض القطاعات، إلا أنها قد تكون عرضة لمخاطر جيوسياسية أعلى. في المقابل، تقدم الصناديق الدولية تنوعاً واسعاً واستقراراً أكبر بسبب اعتمادها على أطر تنظيمية راسخة.
أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجهة متميزة للاستثمار، بفضل اقتصادها الحيوي والمتنوع. تقود الأسواق الرئيسية مثل أسواق دولة الإمارات والسعودية وقطر هذه المهمة، لا سيما في قطاعات مثل الطاقة والعقارات والتكنولوجيا.
إحدى السمات الرئيسية التي تميز صناديق الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي انتشار الصناديق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والتي تلتزم بأحكام الشريعة وتستقطب المستثمرين المسلمين. إضافة إلى ذلك، فإن المبادرات الحكومية وخطط التنويع الاقتصادي، مثل رؤية «نحن الإمارات 2031»، والسعودية 2030 تقود النمو والابتكار في المنطقة.
على الصعيد الدولي، تقدم الأسواق الراسخة مثل أسواق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان مجموعة واسعة من الفرص الاستثمارية. تتميز هذه الأسواق ببنى تحتية مالية متقدمة وخيارات متنوعة تشمل عدة قطاعات، من بينها التكنولوجيا والرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية.
كما تتيح الأسواق الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل فرصاً استثمارية مغرية وآفاق نمو هائلة. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن «الأونكتاد» (UNCTAD)، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية 1.37 تريليون دولار في عام 2023، مع استثمارات ثابتة في اقتصادات كبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان. تتمثل الميزة الأساسية للصناديق الاستثمارية الدولية في قدرتها على تقديم تنويع جغرافي وقطاعي واسع، ما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في منطقة واحدة أو قطاع محدد. وأظهرت صناديق الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أداءً قوياً، لا سيما في قطاع الطاقة، وذلك نتيجة الموارد الطبيعية الوفيرة في المنطقة. وأشار تقرير صادر عن شركة «كي بي إم جي» (KPMG) إلى أن صناديق المنطقة أظهرت أداءً قوياً، وخاصة في قطاع الطاقة في السعودية، حيث حقق القطاع درجة استثنائية بلغت 98.24 على مؤشر الأداء المالي نتيجة لزيادة الطلب على خدمات الطاقة. ومع ذلك، قد تكون صناديق المنطقة عرضة لتقلبات كبيرة نتيجة الظروف الجيوسياسية المتقلبة.
من ناحية أخرى، توفر الصناديق الدولية عوائد أكثر استقراراً نتيجة لمحافظها المتنوعة والموزعة عبر عدة مناطق وقطاعات. ومع ذلك، فهي ليست محصنة من التقلبات الاقتصادية والتغيرات السياسية ومخاطر تقلب قيمة العملات.
تعمل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تحسين أطرها التنظيمية، لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ما يضمن أعلى مستويات الشفافية والحماية للمستثمرين. ومع ذلك، لا تزال هناك تفاوتات كبيرة في المعايير التنظيمية في مختلف دول المنطقة. عادة ما يكون للأسواق الدولية، وخاصة تلك الموجودة في البلدان المتقدمة، هيئات تنظيمية راسخة توفر حماية للمستثمرين، وتضمن نزاهة السوق. ويمكن لهذا التباين أن يؤثر في أداء الصناديق ومستوى المخاطر التي يتحملها المستثمرون.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يفضل المستثمرون الصناديق والاستثمارات التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية والتي تتماشى مع الأهداف الاقتصادية الإقليمية. وتشير بيانات «أس آند بي جلوبال» (S&P Global) إلى أن تفضيل الصناديق والاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والمتماشية مع الأهداف الاقتصادية الإقليمية، يعكس اعتبارات ثقافية ودينية راسخة.
وفـــي المقـــابل، يسعى المستثمـــرون الـــدوليون عادةً إلى تنويع محافظهم الاستثمارية والدخول إلى القطاعات التي تتميز بمعدلات نمو مرتفعة في الأسواق المتقدمة والناشئة. ويعد فهم هذه التفضيلات أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لمديري الصناديق الذين يتطلعون إلى استقطاب المستثمرين من مختلف أنحاء العالم والحفاظ عليهم. وتعمل دول مثل الإمارات على تعزيز استثماراتها الكبرى في مشاريع الطاقة المتجددة والمدن الذكية والتكنولوجيا المالية، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على النفط ودعم النمو الاقتصادي المستدام. وتستقطب هذه المبادرات المستثمرين المهتمين بالبيئة وأولئك الذين يتطلعون إلى الاستفادة من التقدم التكنولوجي في المنطقة.
على الصعيد الدولي، تعطي صناديق الاستثمار الأولوية أيضاً للممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركـــات، مع تزايد عدد الصناديق المخــصــصة للتكــنولــــوجيا المستدامــــة والــزراعةــ المستدامة والطاقة النظيـــفة. يعيد هذا التحول العالمي نحو الاستدامة تشكيل المشهد الاستثماري، ما يوفر فرصاً جديدة للنمو.
قامت كل من الإمارات والسعودية بتأسيس صناديق ثروة سيادية مثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF) وجهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، والتي تدعم التنمية الاقتصادية والتنوّع. كما تستثمر هذه الصناديق على الصعيدين المحلي والدولي، ما يشكل حلقة وصل بين فرص الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والأسواق العالمية.
كما تصدّر صندوق الاستثمارات العامة قائمة المستثمرين المملوكين للدولة على مستوى العالم، بحسب تقرير شركة «صناديق الثروة السيادية العالمية» (Global SWF)، حيث بلغت قيمة استثماراته 10.2 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2024. كما كانت الصناديق الاستثمارية في أبوظبي، بما في ذلك جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ) ومبادلة (Mubadala)، من أبرز المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث استثمرت مجتمعة 38.2 مليار دولار عبر 58 صفقة، ما يبرز النشاط الاستثماري القوي في المنطقة.
في المقابل، تُعرف الصناديق السيادية الدولية، مثل تلك الخاصة بالنرويج والصين، بمحافظها العالمية المتنوعة، التي تستثمر في مجموعة واسعة من القطاعات والمناطق بهدف تحسين العوائد وإدارة المخاطر.
وعلى الرغم من أن صناديق الاستثمار الحالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والصناديق الدولية توفر فرصاً فريدة، فإن أهمية العمل ضمن إطار تنظيمي راسخ هو أمر بالغ الأهمية. كما يتميز القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقدرة كبيرة لا تقتصر على المشاركة في الصناديق المنظمة الحالية، بل تشمل أيضاً إنشاء صناديق استثمارية خاصة، ضمن هذه الأطر.
ويمكن لشركات القطاع الخاص تصميم محافظها الاستثمارية بالتماشي مع أهدافها الاستراتيجية، سواء كان ذلك من خلال التركيز على القطاعات سريعة النمو مثل التكنولوجيا والتطوير العقاري والطاقة المتجددة، أو لضمان الامتثال لمبادئ الشريعة الإسلامية. ويسمح هذا النهج للشركات بالاستفادة من خبراتها الصناعية وتعزيز تأثيرها في السوق واستقطاب المستثمرين المحليين والدوليين الذين يقدّرون الشفافية والحوكمة من خلال إنشاء صناديق استثمارية منظمة خاصة بهم.
إن العمل ضمن هياكل تنظيمية راسخة ليس من شأنه تقليل مستوى المخاطر فحسب، بل تعزيز ثقة المستثمرين أيضاً، ما يعد عاملاً أساسياً لتحقيق النمو المستدام. ومع استمرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في التقدّم، يتمتع القطاع الخاص بفرصة فريدة لقيادة هذا التطور من خلال إنشاء صناديق استثمارية خاصة. كما سيمكننا ذلك من الاستفادة من الفرص الإقليمية والمساهمة في استقرار ونضج الأسواق المالية. ومن خلال اتباع هذا المسار، يمكن للقطاع الخاص تعزيز مكانته في المشهد الاستثماري العالمي ودفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام على المدى البعيد.